هي والآخر
استرسلت أمل في الحديث، وكأن دماء عروقها من نبع أجانيبي، لا ينضب لها وحي، ولا تفارقها خاطرة، كانت تقص حكايتها، ورأسها ما زال مستندا إلى فخذي، وتتحرك بين الحين والآخر لتقص أجنحتي فلا أجد مفرا من أيكها، أربت على رأسها، وأفرد شعرها على ساقي، وأغزل خيوطها حولي كي لا أستطيع الفكاك، وكلما ضاق بي النسيج تسلل عقلي لأمل، الأخرى، ولم أتوقف عن غزل الخيوط، ولم أتمكن من العدول عن التسلل. - لم تجبني. - عفوا؟! - أينا تظن أفروديت؟ - ممم، كلتاكما أرتيميس؛ أنت إلهة الصيد، وهي ربة القمر.
قفزت وكأن قد مسها الجان، تغير صوتها، واختفت دموعها، تحولت، نعم تحولت، وامتلأ صدرها بالهواء لتصرخ في وجهي. - قمر؟ هي ربة القمر؟ هل فقدت عقلك؟ كيف تضعنا بمرتبة واحدة؟ أيضا هي ليست عذراء، هي تزوجت، أما أنا فلا.
أصابني الهلع من ثورتها، نظرت لها متعجبا، هدأت، تحول الوجه الثائر لوجه آخر، متصابية، بريئة، برية، وتساقطت أوراق ثورتها بخريف نظراتي، وعادت لتجلس بين رجلي، لم أرحب بها تلك المرة، ولم تعر جفائي أي انتباه، بل عادت لتكمل ما بدأته.
كما ذكرت لك، لم أتحمل هذا الكائن الذي تزوجته، وكأنها تزوجت الصورة المطابقة لوجه أبيها القبيح، تزوجت قسوة أسكيبيوس دون مهارته، تركت البيت، لم يعلم أحد أين ذهبت، كانت معي هنا عند جدتي، وقمت بكل شيء من أجلها، التحقت بكلية الفنون الجميلة، درست الفنون وتميزت في تاريخها، وأصبحت أستاذة تاريخ الفن، ولم تتمكن هي من التخلص مني حتى قابلتك، والآن لا أنوي الرحيل، فإن أرادت هي الرحيل فلها ما تريد، وإن أردت أنت أيضا فلك ما تريد، لكنها لن تعيش سوى نصف حياة، وأنت لن تحظى إلا بنصف امرأة.
لم أعرف كيف أرد، أو كيف أسأل، تركتها تتدفق، تجتاح أرضي وتبتلع أطرافي، تعلو ببطء، دافعتني أمواجها لغرفة جدتها، ورست بي بسريرها واعتلتني، تستنزف قوتي، تتأوه في وجهي، تئن، ولم تحرك عينيها من عيني، لم تكتف بمشاركتي المتعة، وبدأت مشاركتي الألم؛ فشقت بأظافرها رحلتها بصدري، حتى تهاوت يداي من حول خصرها، وأطبقت عيني، لم تتوقف، لم تهدأ، حتى انتهت سائلة هل من مزيد؟ فتحت عيني، نظرت لي بتوسل، تحول توسلها لنظرة ثابتة مستوية مسطحة، وكأن الريح توقفت فعجزت أمواجها عن الحركة، قامت دون ثورة، وبابتسامة رسمتها الريح بكثبانها. - حسنا يبدو أنك تريدها أو ربما تريد معرفة الفرق. - أنا. - اخرس، لا تقلق، أنا أتفهم جيدا، هي بالغرفة المجاورة سأحضرها لك.
خرجت من الغرفة ثم عادت كمن تذكر شيئا: «حين تنتهي منها أخبرها أن تذهب إلى الحجرة، لا تنس، قل لها اذهبي إلى حجرتك.» وابتسمت ثانية، ثم مضت، أمسكت رأسي بيدي أحاول سحقه كاتما صيحة غيظ، ماذا فعلت بنفسي؟ يجب أن نذهب لمعالج نفسي، لن أصمد كثيرا أمام امرأة تغار من نفسها، ستصيبني بالجنون بلا شك.
عادت مرة أخرى، لا، عادت الأخرى بملابسها الغريبة لترمقني بدهشة صائحة: كيف جئت إلى هنا؟ كيف دخلت البيت؟ ولماذا أنت عار هكذا؟
قمت مسرعا واقتربت منها وهي تحاول النظر بعيدا من خجلها، قلت لها لقد كنا سويا، لم أتوقع ردها، لم يخطر ببالي أن تصفعني بتلك القوة، وخرجت مسرعة لفراغ المعيشة، ذهبت للحمام سريعا، وارتديت بعض ملابسي المغسولة، كما هي ببللها وخرجت خلفها. - كيف تظنين أني دخلت هنا؟ - لا أعرف، لا أعرف.
كانت بقرب الشرفة وأقف على مسافة منها، مستندا إلى لحائط المجاور لباب الشرفة، كنت أنظر إليها، كانت تصرخ وتهذي بعبارات ما بين السب والاتهامات، ليس لي فقط، بل لنوع الذكور من ذكر البعوضة لذكر الفيل، لم أكن أسمعها، كنت أنظر لعينيها، هل تدعي كل ما يحدث؟ هل يجب أن أصدقها، لا يمكن أن تدعي كل تلك الانفعالات، أنا أصدقها.
صفحه نامشخص