217

Articles from Dorar.net

مقالات موقع الدرر السنية

ناشر

موقع الدرر السنية dorar.net

ژانرها

ولهذا تمت العناية الكبيرة بتلك الأصول والبحث عن القائمين عليها والمعبدين لها بأي ثمن، وقد قال لي رمز علمي كبير، بعد مقالاتٍ كتبتها وغيري في الاختلاط نقضت أقوال المجيزين له، إن خالدًا التويجري هاتفه وقال: نحتاج إلى وقفة منك.
ينبغي أن لا يتم الخجل من هذا فنحن في صراعٍ شرعي وفكري لا يُحسنه خالد إلا بغيره، وفي أصول العقائد والأفكار له ذلك، ولغيره أن يُبيّن ويوضح، والعبرة بالحجج، قال تعالى: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ. وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ. اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾، ولكن عند الفصل الأخروي يوم القيامة لا مجال للاعتضاد إلا بالنفس: ﴿لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الممتحنة: ٣].
وأما هذا المقال فلن يصح فهمه من ذهن حمل أحد الإيمانين السابقين فضلًا عن كليهما، وسأجعل الحديث في نقاط:
أولًا: إذا أردنا الحكم على قيادة المرأة للسيارة، فيجب اتساع النظرة لتقع على الشيء ودوافعه وآثاره ومن يدعو إليه، وأن لا ننظر إلى المسألة ونظنها صعود وسير ونزول، ولا يصح أن يُجعل الحديث حولها مسألةً عينية متجردة عن أسباب ولوازم، فيُنظر إليها على أنها أفعال أفراد لازمة لهم كالطعام والشراب واللباس والسكن، والتحاكم إلى أدلة عينية في هذه المسألة تؤيد المنع أو عدمه فضول، فنلتمس مثلًا نصًا ينهى عنها كالنهي عن الأكل بالشمال أو لبس الحرير، أو تشبيه مقاعد السيارات بظهور الإبل والخيل، فنجعل قيادة المرأة قياس أولى أو قياس مشابه للإبل، ونتجاهل أن الشريعة التي أجازت ركوب الإبل حرَّمتها حتى على الرجال في مواضع فضلًا عن النساء، فالنبي ﷺ الذي أنزل الله عليه الامتنان بركوب الدواب فقال: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٣ - ١٤] هو الذي نهى عن ركوب هذه الدواب حال الخوف وورود المفسدة فقال ﷺ: «الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب»، وقال: «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده»، فسفر الواحد على الدابة في الصحراء خطر أوجب النهي ولو كان الراكب رجلًا، وقد جاء النهي في المرأة أن تركب الإبل عند المخاطر والمفاسد وجوازه عند الأمن منها كما في قوله ﷺ: «توشك الظعينة أن تسافر من مكة الى صنعاء لا تخاف الا الله» أخرجه البخارى، والظعينة هي المرأة الراكب، ودلالة مفهومه المنع حال الخوف وتحقق المفسدة المخلة بأحد الضروريات الخمس، ولهذا يصح الجمع بين طرفي النقيض تحريم ركوب الإبل على الرجل وجواز السيارة للمرأة. بل إن الجلوس المجرد حتى على الأرض قد يُحذَّر منه عند ورود المفسدة وتحققها، كما في الحديث: «إياكم والجلوس في الطرقات. فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقها. قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر»، وهذه قيود الجلوس في الطريق الواحدة فكيف إذا كان الجلوس على سيارة تسير في كل الطرقات تمر بكل أحد.

1 / 216