لست مع تقديس المبدعين. أدعو إلى إنزالهم من مرتبة الملائكة ومحاكمتهم على أخطائهم البشرية، لكني أرفض ربط ذلك بفنهم، ومحو تاريخهم وتجريم إبداعهم عقابا لهم على مواقفهم؛ لأن الفن للتاريخ، أما المواقف اليومية فزائلة ومتغيرة. فالآراء تتبادل وتدور مع دوران الحياة اليومية، كما أرفض «محاكمة النوايا»، والاتهامات بالعمالة والتخوين.
هذا المقال ليس دفاعا عن موقف أحد، وليس انحيازا لأحد، لكنه انحياز للفن الذي غالبا ما يضيع تحت غبار المعارك والحروب الزائلة، لكنه في النهاية، بعد انتهاء العاصفة، يعود لبريقه كأن شيئا لم يكن؛ لأن هذه هي قيمة الفن، ولهذا يسمو، ولهذا يبقى.
ماتريكس أم ترومان شو؟
لو تم تخيير ترومان بيرنابك، بين العالم المصطنع الذي يعيش فيه، وبين العالم الحقيقي، ماذا كان سيختار؟ الإجابة التي لا أريدها منك الآن، تشبه الإجابة عن سؤال آخر، عن الفارق بين حلم/كابوس، نحياه بالرغم منا، لكننا نعرف أننا سنستيقظ في نهايته، وبين حلم صنعناه بأنفسنا ونجاهد لنصل إلى نهايته.
اللجوء إذن، إلى فرضية أن ما نحياه كابوس قد نستيقظ منه بعد قليل - فقط تأخر الاستيقاظ قليلا - ليس إلا بوابة للخروج من مواجهة الواقع، لكن هذه البوابة تتقاطع من جهة أخرى، مع الانتقام من الأعداء الواقعيين، باللجوء إلى قتالهم وهزيمتهم والتنكيل بهم، في أحلام اليقظة ليس أكثر، وليس بالضرورة أن يكون هذا دليلا على الضعف، بقدر ما هو دليل على تغير منظومة القيم، التي تجعل الإنسان السوبرمان يلجأ إلى العنف الخيالي، في عالم متسامح بطبيعته.
النوم هو بداية الحلم، لكن الموت هو نهاية الحياة، لكن الأنظمة القمعية تفضل الموتى الأحياء على طريقة فيلم ماتريكس، حين يصبح البشر مجرد بطاريات، ومن هنا فالثورة تبدو كلمة مستعصية على الفهم في عالم لا يحلم، بل يرى أن النوم موت، ويتحول فيه الموتى إلى أرقام بلا تقدير حقيقي لقيمة الإنسان الذي يموت في عبارة أو تحت صخرة جبلية، أو حتى دهسا بالمدرعات.
لم يكن فيلم ترومان شو
The Truman Show ، للمخرج بيتر وير، والفنان جيم كاري، إذن يطرح فرضا خياليا، بل هو الواقع، الذي نلجأ إليه لنهرب من كابوس نحياه يوميا، لكن يبدو السؤال الأهم هنا، ماذا لو لم تكن الحياة «ترومان شو»، بل كانت ما طرحه فيلم ماتريكس
The Matrix
للمخرجين آندي واكوسكي ولاري واكوسكي، حين يكتشف الجميع أنه مخدوع عن طريق برنامج تديره الآلة؟
صفحه نامشخص