فقالت: «وما العمل إذن لإنقاذ هذه الفتاة؟ دبري الحيلة وأنا أفعل كما تقولين.»
قالت: «أليس خاتم سيدي أركاديوس واسمه عليه؟»
قالت: «بلى، هل أبعث به إلى الحاكم؟» قالت: «لا، ولكننا نكتب أمرا على لسانه نأمره بإيقاف العمل إلى وقت آخر ونختمه بهذا الخاتم، فأنت تعرفين اللغة الرومانية، وأنا آتيك بورق تكتبين عليه الأمر، وأنا الضامنة لنجاح الحيلة، ولا أظن سيدي أركاديوس يعاتبك على استعمال خاتمه في إنقاذ هذه البريئة من القتل.» •••
سرت أرمانوسة لهذه الحيلة، وكتبت الورقة وختمتها وسلمتها إلى بربارة، فتركت سيدتها في الغرفة ونزلت إلى الحديقة، وكان مرقس في انتظارها عند الباب وقلبه يتقد قلقا وخوفا لئلا يذهب سعيه عبثا، فلما جاءته بربارة بالكتاب سر كثيرا وتناوله وشكرها وخرج يريد القرية، وبينما هو خارج من بلبيس سمع الناس يتحدثون بخروج القس وبالاحتفال للذهاب بفتاة النيل في ذلك اليوم، فعاد إلى بربارة وأنبأها الخبر فاستأذنت سيدتها أن يركب مرقس ورفيقه مركبتها الخاصة ليدركا القوم قبل فوات الفرصة، فأذنت لهما في ذلك، فركبا المركبة وسارا حتى أدركا الفتاة كما تقدم.
وتذكرت بربارة ما سمعته من الشيخ الريفي عن قتل قسطنطين فهرولت إلى سيدتها وعلى وجهها أمارات البشر وقالت: «تذكرت أمرا ذا شأن كان يجب أن أطلعك عليه قبل كل شيء، ولا أدري ما أنسانيه؟! قالت: «وما هو؟» قالت: «سمعت أن قسطنطين قتل في حربه مع العرب في الشام.»
فلما سمعت أرمانوسة الخبر خفق قلبها سرورا وقالت: «ماذا تقولين يا بربارة؟» قالت: «سمعت ذلك يا سيدتي من الشيخ الذي بتنا عنده في عين شمس، ولكنه قال إنه لم يتحقق الخبر.»
فرفعت أرمانوسة يديها إلى السماء قائلة: «لا أريد بأحد سوءا يا رباه، ولكن لا بد لأحدنا من الموت حتى لا نجتمع، فإن كنت قد قضيت على قسطنطين فلتكن إرادتك.» ثم التفتت إلى بربارة وقالت لها: «وهل يمكننا أن نتحقق ذلك فإن تحققه يهمنا كثيرا.»
قالت: «ليس لنا يا مولاتي إلا أن نبعث رسولا إلى الشام يتجسس الخبر وينبئنا.»
قالت: «هلم نبعث أحدا، ومن تظنينه أهلا لذلك؟» فأطرقت بربارة برهة ثم قالت: «أرى أن نبعث إلى مرقس، فإنه شهم مقدام، ولنا عليه أننا أنقذنا له خطيبته من القتل، فإذا عاد وقد نال مرامه بعثنا به يستطلع الحقيقة، وأظنه أفضل رجل يمكننا الاعتماد عليه في هذه المهمة.»
قالت: «قد أصبت المرمى، ولكن متى يعود؟» قالت: «أظنه يعود غدا.» قالت: «إذا عاد فكلفيه بذلك لعله يزيل هذا العناء، فتكون خدمته لنا مثل خدمتنا له.»
صفحه نامشخص