ارزانترین شب‌ها

یوسف ادریس d. 1412 AH
93

ارزانترین شب‌ها

أرخص ليالي

ژانرها

وكانت مرارة الشبراوي قد انفجرت من هذه المسئولية. وقبل أن تتولاه ثورة يحطم معها كل ما أمامه قطعت زبيدة الحديث بزغرودة رطبة، وفي أقل من لمح البصر خلعت ثوبها المهلهل، ثم اندفعت خارجة فجأة، وجرت في حوش المحافظة والكل مذهول قد عقدت الدهشة أيديه وأرجله.

وكان الشبراوي هو أول من جرى وراءها بكل ما يملك من قوة. وحلق الناس والمساجين والعساكر عليها، وأفلح الشبراوي في الإمساك بها فتملصت منه، وهي تهتف بسقوط العمدة، وعضته، وصرخ الشبراوي، ثم هوى على وجهها بكفه وسال الدم من فهمها وأسنانها. وأعيدت إلى غرفة الحكيم وهي تهتف وتتمرد وتزغرد.

وجاء قميص الكتاف وتعاون أربعة على إدخالها فيه.

وتدحرجت زبيدة على الأرض وهي تحاول التخلص، والدم يسيل فيلون أسنانها ووجها وشفتيها، واللعاب يصنع الزبد حول فمها.

وحرر الطبيب الاستمارة على عجل، ووقف الشبراوي مبهوتا يرقبها، وينتفض بدنه مما تفعله في نفسها.

وذهل وهو يكتشف بعدما وضعت زبيدة في قميص الكتاف أنها مجنونة، وأنها لا تفقه مما تقول حرفا، وليس لها ذنب فيما قاساه، ثم إنها لم تأكل وما شربت وهي معه، ولا حتى حين كانت في البلد.

وشعر بشفقة غريبة تدب في نفسه وهو يراها تتدحرج، وتخبط رأسها في الأرض وتتلوى.

وقال له الطبيب: خلاص.

وانتهت بذلك مهمة الشبراوي ومسئوليته.

وكان يخيل إليه أنه سيحيا ليلة لوجه الله إذا انتهت مهمته، وتخلص من زبيدة ومصائبها، ولكنه تلقى الخبر وكأن غيره هو الذي يعنيه الخبر.

صفحه نامشخص