اریستوکراسی: مقدمهای بسیار کوتاه
الأرستقراطية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
لم يكن الانضمام لإحدى الطبقات الأرستقراطية يتم بسرعة قط، فرغم الحصول على منحة رسمية بلقب النبالة، لم يكن هذا إلا خطوة واحدة على الطريق، رغم أنها بلا شك كانت الخطوة الأهم. كان الاستثمار في الأراضي، وهي من الأصول الأساسية للنبلاء، خطوة أخرى. مع هذا كان تقبل الأعضاء الآخرين في طبقة النخبة هو الدليل الوحيد على اكتمال عملية الانضمام بنجاح. ثمة قول مأثور شائع يقول إنه كي يصبح المرء من النبلاء يحتاج الأمر إلى تعاقب ثلاثة أجيال، وحتى عندها لا توجد طريقة لقياس هذا بموضوعية. لكن في النهاية يعالج الزمن مثل هذه الأمور؛ فقد يتقدم لخطبة بنات أحد الوافدين الأثرياء أناس من طبقة النبلاء، وتتحقق بالزواج صلات القرابة. يتم تقليد عناصر نمط الحياة الأرستقراطي بعناية، ويعين الأبناء في وظائف نبيلة، وبمرور الوقت قد تندثر الأصول المتواضعة وربما تنسى بالكامل. ويمكن حينئذ أن ينظر للصفات المكتسبة بعناء شديد باعتبارها فطرية. (3) الاستمرارية
تبقى مكانة النبالة إلى الأبد؛ فقد يفقدها الأفراد في ظروف معينة محددة بوضوح، لكن الصفة التي تنتقل عبر الدم لا يمكن محوها، وهذا ما اكتشفه الثوار الفرنسيون عندما حاولوا إلغاءها في عام 1790م. وقد عبر أحد الضحايا الغاضبين في هذا الوقت عن ذلك، فقال إن النبلاء «لا يمكن أن يصدقوا أن أي قوة بشرية قد تمنعهم من نقل صفة النبالة إلى نسلهم، تلك الصفة التي حصلوا عليها من الله وحده.» إن أهم واجب شخصي للابن الأول للنبيل هو تخليد السلالة، وبذلك يدعم في المستقبل مجد العائلة المتوارث من الماضي. لكن الحفاظ على مجد العائلة يعتمد بالتأكيد على الاحتفاظ بثروات مادية مناسبة، وكثير من ظروف الحياة الأرستقراطية جعل هذا الأمر صعبا.
في معظم البلدان يرث جميع الأبناء مكانة والدهم. حتى في إنجلترا؛ حيث كانت الألقاب تنتقل وفقا لنظام البكورة الذكوري الصارم، كان الأطفال الأصغر سنا لأب حامل للقب يحتفظون بشعار النبالة التابع لأسرتهم، وأحيانا يحتفظون، لجيل واحد فقط، باللقب الشرفي. لكن في حين كانت الممتلكات في إنجلترا أيضا تورث بنظام البكورة حتى عام 1925م، ولم يكن للأطفال الأصغر سنا الحق في المطالبة القانونية بها، فإن القوانين الأساسية في معظم الدول الأوروبية كانت تكفل لكل طفل الحصول على جزء من ممتلكات والده. قد يتفاوت الحجم المحدد لهذا الجزء كثيرا، بداية من المساواة الكاملة (وهو ما ساد في أوروبا الشرقية)، وحتى نصيب يكون بالغ الصغر مقارنة بنصيب الابن الأكبر أو الوريث المختار بوصية. مع هذا فإن النتيجة الحتمية كانت تقسيم ممتلكات الأسرة في كل جيل، وترك إرث لكثير من الورثة يلبي بالكاد احتياجاتهم. لم يكن الأبناء الأصغر سنا في إنجلترا حتى يحصلون على هذا، ودون موارد مالية مضمونة كانوا ينحدرون إلى رتب العامة. وفي الوقت نفسه قد يجد نظراؤهم في القارة الأوروبية وسلالتهم، الذين يمنعهم القانون أو التحيز أو كلاهما من الاتجاه إلى العمل بالتجارة من أجل الحفاظ على ثرواتهم، أنفسهم منعزلين في ظروف متواضعة أو ضيقة للغاية؛ مما يجعلهم يشعرون دوما بأنهم غير جديرين بمكانتهم. وفي الجزر البريطانية، كان من النادر وجود نبلاء فقراء بالفعل؛ فقد تحولوا إلى عامة الشعب. وفي القارة الأوروبية، كانوا يشكلون مشكلة اجتماعية أصبحت تشغل الحكومات أكثر وأكثر في الفترة بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر.
لا يلغي أي من هذا الصورة التقليدية عن ضيعات النبلاء الشاسعة والضخمة التي تديرها منازل كبرى. ويمكن العثور على مثل هذه الصورة في معظم الدول قبل القرن العشرين. لكن، رغم أنها كانت لافتة للانتباه، وتماما مثل القصور والقلاع التي أقيمت عليها - التي ما تزال هكذا حتى يومنا هذا - فإن متعتها كانت حكرا على عدد قليل من الأشخاص، وحتى بين هؤلاء كانت مكانة كبير العائلة لا تظل باقية إلا على حساب الإخوة الأصغر سنا. كانت الجزر البريطانية مثالا متطرفا على هذا؛ حيث كان نظام توريث الابن الأكبر يؤيد تجميع الضيعات، ودعمه في القرنين السابع عشر والثامن عشر انتشار استخدام «مبدأ التوريث الكامل للأرض»؛ وهو أحد أشكال الوقف الذي كان يقيد تصرف أي وريث في ميراث الأسرة طوال ثلاثة أجيال. لكن حتى في الأراضي التي لا ينطبق عليها نظام البكورة، أو في الأماكن التي كانت الأراضي تقتصر فيها على نقل الإقطاعات والألقاب المرتبطة بها (كما في فرنسا)، كان من الممكن في بعض الأحيان تكوين أوقاف ولكن بتكلفة باهظة؛ ففي إسبانيا كان نظام توريث الابن الأكبر، وفي جنوب إيطاليا وأراضي هابسبورج كان نظام الهبة، يسيطر كل منهما على نقل مساحات شاسعة من أراضي العائلات عبر الأجيال، أيا كان مدى سوء إدارة كبير العائلة لها. وبعدما أظهرت الثورة الفرنسية ضعف النبلاء، ظهرت حركات تساعدهم في مقاومة تقسيم ضيعاتهم. فتخلى النبلاء في بروسيا عن التزامهم طويل الأمد بالميراث القابل للتجزئة، وحصلوا على أعداد متزايدة من الأوقاف حتى عام 1914م. وحث نابليون أعضاء تسلسله الهرمي الجديد على حماية ما يملكونه من أراض عن طريق نظام التوريث للابن الأكبر. واستمرت أسرة البوربون التي استعادت مكانتها في تطبيق هذه الطريقة، حتى إنها حاولت في عام 1826م تعميم نظام البكورة على أغنى العائلات، رغم أن هذه الخطوة ثبت أنها بعيدة كل البعد عن الغالبية العظمى التي ما زالت تعيش في ظروف متواضعة.
ظل النبلاء يفضلون أكثر الأساليب تقليدية لتجنب التعرض للفقر؛ فيمكن الحد من حجم الأسرة بأساليب غير طبيعية؛ ومن ثم تقليل عدد المطالبات المحتملة فيما يتعلق بممتلكات الأب. وتوجد بعض الأدلة، منذ القرن السابع عشر، على بدء تطبيق هذا الأمر؛ فالأنصبة الأكبر حجما التي يرثها الأبناء الباقون على قيد الحياة تعطيهم أملا أفضل في زيادتها عن طريق زواج المصالح مع نظراء وضعهم مشابه. وفي الدول الكاثوليكية قبل اندلاع الثورة الفرنسية، كانت المناصب الكنسية، ومناصب الرهبان والأديرة التابعة للكنيسة الرومانية الكاثوليكية الأكثر ثراء، يحتلها على نطاق واسع أبناء الأسر الأرستقراطية الذين لم يعد لهم الحق في المطالبة بأي شيء من أسرهم، وحتى في فترة ما بعد الإصلاح الديني في إنجلترا في القرن الثامن عشر كثيرا ما كان الكاهن الريفي هو الأخ الأصغر لأحد ملاك الأراضي. كذلك قد يطمح الأبناء الأصغر سنا في الارتقاء لمستوى أسلافهم عن طريق الوظيفة الأرستقراطية الأساسية: المهنة العسكرية؛ فقد تولى قيادة الجيش الأسطوري لفريدريك العظيم نبلاء تربوا على الأرض الفقيرة والمقسمة دائما في كل من براندنبورج وبروسيا. إلا أنه بالتوغل غربا كان ضباط الجيش يعينون عن طريق الشراء؛ ظل هذا يحدث في فرنسا حتى اندلاع الثورة، وفي بريطانيا العظمى حتى عام 1871م، وأدى هذا فعليا إلى التغاضي عن كثيرين ممن آمنوا بأن خلفيتهم الاجتماعية وتقاليد عائلتهم تجعلهم مرشحين بارزين لقيادة الرجال في المعارك. كان أسوأ وضع على الإطلاق في جميع العائلات ذات الإمكانيات المتواضعة من نصيب الفتيات؛ فبدون امتلاك مهور مناسبة، تكون الفتيات غير مؤهلات للزواج. حتى أديرة الراهبات كانت تطالب بتقديم مهور من أجل الالتحاق بها. وهكذا شاع النظر إلى الفتيات في العائلات الأرستقراطية، أيا كان مستوى ثروتها، على أنهن نوع من البلاء؛ فهن يستنزفن أموال العائلة سواء تزوجن أم لا، وفي كلتا الحالتين لا يفعلن أي شيء لتخليد لقب العائلة.
مع هذا، كانت أكثر الطرق بداهة لتجنب الفقر هي تلك التي تجنبها النبلاء؛ فبوصفهم ملاكا للأراضي كان بإمكانهم استغلال هذه الأصول البالغة الأهمية بطرق مباشرة ومبتكرة؛ وحيث إن الابتكارات الزراعية قد حدثت بالفعل، كان النبلاء دوما يتحملون المسئولية؛ فقد سمع الجميع عن ابتكارات فيكونت تاونسند «الملقب بفيكونت اللفت» في إنجلترا في القرن الثامن عشر. ومع هذا، كانت هذه مجرد استثناءات؛ فقد فضلت الغالبية العظمى من النبلاء الحياة اعتمادا على الزراعة بطريق غير مباشر، عن طريق تحصيل الإيجارات أو الحصول على مستحقات وخدمات من العبيد. وحتى في الأماكن التي لم يمنعوا فيها رسميا من ممارسة التجارة بموجب قوانين الانتقاص من المكانة، كان النبلاء يعزفون عن تلويث أيديهم بالتجارة. وقد حرصت الحكومات في القرن الثامن عشر على القضاء على هذا التحيز؛ إذ حث ملك فرنسا مرارا وتكرارا النبلاء في بلاده على ممارسة تجارة البيع بالجملة، وجعل هذا أمرا لا يقلل من شأنهم. وقد أباح الميثاق الروسي لطبقة النبلاء في عام 1785م للنبلاء الدخول في مجال التجارة. وبكافة الحيل والطرق غير المباشرة، ودوما بتخف متعمد، كان النبلاء أصحاب رأس المال الذي يسمح لهم بالاستثمار يسعدون بجني ثمار تشغيل هذه الأموال تجاريا، سواء في التجارة أو التمويل. هذا ويتزايد ما تكشف عنه الأبحاث الحديثة عن المستويات الاقتصادية التي بلغتها «رأسمالية النبلاء». مع هذا كانت مشكلة النبلاء الفقراء تحديدا هي عدم امتلاكهم أي نوع من رأس المال؛ فقد حصلت كثير من العائلات النبيلة على مكانتها منذ البداية عن طريق ترك «مكتب التعاملات المالية»، وكانت عودتهم إليه تعد بمنزلة الاعتراف بفشلهم الاجتماعي. قبل اندلاع الثورة في منطقة بريتاني الفرنسية، كان باستطاعة النبلاء الفقراء «تعطيل حس النبالة لديهم» بينما كانوا يستعيدون ما فقدوه من ثروات أسرتهم بالتجارة، ثم يعودون إليه مرة أخرى بعد إصلاح الضرر. إلا أن هذا كان أمرا استثنائيا إلى حد كبير؛ ففي واقع الأمر كلما زاد فقر النبيل، زاد احتمال أن يزدري ويتجنب وصمة عار التجارة؛ وبذلك يزدري السبيل الوحيد للنجاة من الفقر الأرستقراطي المدقع. سخر كم كبير من الأعمال الأدبية من هذا السلوك؛ فتصرفات البطل الهزلية في رواية «دون كيشوت» (1605-1615م) المبتذلة، التي يغلب عليها في ذات الوقت طابع تصرفات الفرسان، قد ترجمت إلى جميع اللغات الأوروبية الرئيسية. وقد قال أحد المعلقين القانونيين الفرنسيين في الوقت الذي كتبت فيه هذه الرواية الساخرة العظيمة: «ليس الفقر عيبا، ولا يتعارض مع النبالة.» لقد أحدث هذا ببساطة توترا بين الموارد المالية والتوقعات، وهو ما لا يستطيع أي شيء حله. وبعد مرور قرن ونصف من الزمن، لم تقترب المشكلة من الحل. مركيز ميرابو، والد خطيب الثورة الفرنسية الخائن، في عام 1756م كتب يقول : «دون مال لا يزيد الشرف عن كونه مرضا.» (4) الشرف
رأى النبلاء أنفسهم دوما أعلى من جميع البشر بفضل شرفهم. يعني هذا استحقاقهم لتقدير عام، لكنه ألزمهم أيضا بالتصرف بأسلوب يجعلهم جديرين به. إلا أن الشرف كان إحدى الصفات التي يستطيع الجميع التعرف عليها، لكن قلة قليلة هي من وجدت تعريفه أمرا سهلا. يمكن تعقب قدر كبير من هذا المفهوم وصولا إلى نماذج الفروسية التي ظهرت في ذروة العصور الوسطى بهدف توجيه سلوكيات الفرسان. لقد نشأت الفروسية بوصفها وظيفة عسكرية رسمية؛ وعليه، كانت أكثر الصفات قيمة هي الشجاعة والجرأة في المعارك. حقق أسلاف النبلاء أكثر المآثر مدعاة للفخر في ساحة المعركة، وكان أكثر عمل مخل بالشرف هو الجبن. وعقب انتهاء سيطرة الفرسان الخيالة على الحروب بوقت طويل، كانت رتب الفرسان أو الفروسية الحصرية، بما تشتمل عليه من ملابس خاصة وأشرطة وشارات، ضمن أكثر مظاهر التميز المرغوب فيها. واستمرت رتب جديدة في الظهور على مدى قرون طويلة. فحتى ممارسة المبارزة بالرمح لقضاء وقت الفراغ، تلك الرياضة التي تتسم بعنفها الشديد وخطورتها البالغة، لم تختف إلا بعد وقت طويل من فقدانها لقيمتها العسكرية. ولم يتوقف النبلاء عن حمل السيوف في حياتهم اليومية - كدليل على استعدادهم للقتال من أجل الدفاع عن شرفهم - إلا في أوائل القرن التاسع عشر. وقد نشأت المبارزة لأول مرة؛ وهي دفع أفراد متماثلين إلى التقاتل، كأسلوب قضائي لتسوية المنازعات بين الفرسان. وعندما تركها المحامون واتجهوا إلى أسلوب التقاضي العادي، استمر النبلاء في تفضيل المبارزات في المسائل المتعلقة بالشرف حتى أوائل القرن العشرين. لم يكن هناك ما يشين النبلاء في تحديهم عامة الشعب، ولم يكونوا يفكرون قط في الإعلان عن تحدي مثل هذه المخلوقات الأقل منهم منزلة. لكن لم يكن ممكنا رفض التحدي عندما يأتيهم من أحد نظرائهم من النبلاء دون المساس بالشرف، حتى عندما كان القانون يحظر المبارزة وكان يتم ملاحقة المنتصر الذي يقتل خصمه بتهمة القتل. ومنذ القرن السابع عشر بذلت الحكومات جهودا مضنية من أجل قمع المبارزة عن طريق توقيع عقوبات شديدة ورادعة، لكن استمر الناس في تحدي هذه القوانين. عبر عن هذا رجل فرنسي في القرن السادس عشر قائلا: «إن حياتنا وممتلكاتنا ملك للملك. أما أرواحنا فملك لله، وشرفنا ملك لنا؛ فلا سلطة للملك على شرفي.»
في الواقع كان الشرف رخصة لتحدي الملك والاستهانة بقوانينه في مواقف كان النبيل هو الحكم الوحيد فيها. وكما أشار مونتسكيو بعد مرور قرنين قائلا: «للشرف قوانينه وقواعده ولا يمكن أن ينثني ... فهو يتبع هواه الخاص، لا هوى آخر»، وهو «الشيء الذي يدين به المرء لنفسه أكثر مما يدين به لغيره.» من ثم كانت حياة الأرستقراطيين عامرة بمشاجرات حول الأسبقية في كل شيء؛ من يتحدث أولا، ومن يجلس أعلى من الآخرين، أو يجلس بدلا من أن يقف، ومن يعترف بمن، وبأي كلمات وإيماءات. كتبت ابنة أحد النبلاء الإنجليز من مدينة ريجنسبورج، التي كانت عاصمة الإمبراطورية الرومانية المقدسة في عام 1716م تقول:
يمكن أن يقضي النبلاء وقتا ممتعا بما فيه الكفاية لو قل اهتمامهم بالرسميات؛ لكن بدلا من الاشتراك معا في تحقيق هدف جعل هذه المدينة ممتعة لهم قدر استطاعتهم وتحسين مجتمعاتهم الصغيرة، فإن متعتهم لا تتحقق إلا بالمشاجرات المستمرة، التي يحرصون على تخليدها عن طريق تركها لخلفائهم ... أعتقد أنه من الحكمة أن يبقى المرء محايدا، لكن إذا تعين علي المكث بينهم، فإن احتمالات أن أظل هكذا ضعيفة؛ فاحتدام مشاجراتهم يجعلهم غير متحضرين تجاه من يزورون خصومهم.
تبدو هذه المنازعات تافهة للغاية من منظورنا الحديث، وعادة ما كانت تؤدي إلى منافسات تافهة ومخجلة، لكن النبلاء كانوا يرونها أساسية في تصورهم عن أنفسهم. ورغم أن مونتسكيو كان بارونا من أصل عريق، فإنه كان على استعداد للاعتراف بأن الشرف لم يكن في النهاية أكثر من مجرد نوع من التحيز. ومع هذا فقد قال إن الملوك - عن طريق دعمهم لهذا الجانب - كان بإمكانهم حث النبلاء على «الإقدام على فعل جميع أنواع التصرفات الصعبة، التي تحتاج إلى عزيمة، دون الحصول على أي مكافأة أخرى عدا الشهرة التي تمنحه إياها هذه الأفعال.» في الواقع كان مونتسكيو يرى أن الشرف هو الدعامة الرئيسية للأنظمة الملكية، التي نجحت من خلال إثابة الملك للنبلاء عن طريق الإشادة بهم أو إعطائهم مكافآت، تعرف أيضا باسم «المراتب الشرفية»، نظير خدماتهم. قد يكون دافع التشريف دافعا شخصيا، لكن لا بد من إذاعته علنا حتى يراه الآخرون. وقد كان تراث الفروسية يقضي بأنه، رغم ما يظهره الرجال الشرفاء في المعارك الشرعية من جرأة وعنف، عليهم أن يتسموا بالتهذيب والتحفظ في الحياة اليومية، والحفاظ على وعودهم، والسعي دوما للتعامل بإنصاف. ينبغي عليهم أيضا توفير الحماية للضعفاء، ومراعاة متطلبات التدين. في الواقع كان الرجال الشرفاء يتسمون بالفضيلة أيضا؛ فقد كانت الفضيلة، بوصفها إحدى صفات النبالة، صفة غير واضحة، ويصعب تعريفها تماما مثل الشرف نفسه، وفي نواح كثيرة كان الاثنان متناقضين؛ فكانت الفضيلة عادة تشير إلى نوع من الإيثار، في حين كان الشرف يتمحور حول تمجيد الذات. إلا أن كثيرا من المنظرين أشاروا إلى أن شرف النسب لا يعني شيئا إذا لم يتسم المنتمون إليه بالفضيلة.
صفحه نامشخص