بعضها على بعض ، وحطم اصفاد القلب ، وأخرج من قيود الاسر ، وكن حرا في هذا العالم ، حتى تكون حرا في ذلك العالم . ولولا ذلك لوجدت الصورة الملكوتية لهذا الأسر حاضرة في ذلك العالم ، واعلم بانها مؤلمة جدا .
ان اولياء الله رغم تحررهم التام من الاسر والرق ، وبلوغم الحرية المطلقة فان قلوبهم كانت مضطربة وكانوا يجزعون وينحبون بدرجة تثير دهشة العقول .
فصل:
ان ابحاث هذه الاوراق وان كانت من الامور الرائجة الشائعة ومن المكررات ، ولكن لا بأس في ذلك فان تذكير النفس وتكرار قول الحق ، امر مطلوب . ولهذا يستحب تكرار الاذكار والاوراد والعبادات والمناسك . والسبب الرئيسي هو تعويد النفس وترويضها . فلا تضجر يا عزيزي من التكرار . واعلم انه ما دام الانسان يرزح في قيود النفس والشهوات ، وما دامت سلاسل الشهوة والغضب الطويلة على رقبته لا يستطيع ان يبلغ المقامات المعنوية والروحانية ، ولا تظهر فيه السلطة الباطنية للنفس وارادتها الثاقبة ، ولا يحصل له مقام استقلال النفس وعزتها ، الذي هو أرقى مقام لكمال الروح ، بل ان هذا الاسر والرق يقيده ولا يسمح له بالتمرد على النفس في جميع الاحوال . ولما قويت هيمنة النفس الامارة والشيطان في الباطن ، وانقادت القوى جميعها لهما في العبودية والطاعة وأبدت لهما الخضوع والتسليم التأمين ، لما اقتصرتا على المعاصي بل دفعتا بالانسان من المعاصي الصغيرة رويدا رويدا الى المعاصي الكبيرة ، ومنها الى ضعف في العقائد ثم الى الافكار المظلمة ثم الى الطريق المغلق للجحود ثم الى بغض وعداوة الانبياء والاولياء . وحيث ان النفس مضطهدة وتعيش حالة الرق ، لا تستطيع ان تخرج على رغباتها . وعليه تكون عاقبة امر الطاعة والتقيد للنفس الامارة وخيمة جدا ، وستدفع بالانسان الى اماكن خطيرة ومخيفة .
ان الانسان العاقل الرؤوف بنفسه لا بد له من السعي واللجوء الى كل سبيل لانقاذ نفسه من الاسر ، والنهوض امام النفس الامارة والشيطان الباطني ، ما دامت الفرصة سانحة ، وقواه الجسدية سالمة وما دام انه على قيد الحياة وفي صحة موفورة وفتوة موجودة ، وان قواه لم تتسخر كليا ، ثم يراقب حياته فترة من الوقت ، ويتأمل في احوال نفسه واحوال الماضين ، ويتمعن في سوء عاقبة بعضهم . ويفهم نفسه ان هذه الايام القليلة ، تبلى ، ويوقظ قلبه ويفهمه الحقيقة التالية المنقولة عن الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث خاطبنا قائلا : «الدنيا مزرعة الآخرة» (1) فلو اننا لم نزرع في هذه الايام المعدودة ، ولم نعمل عملا صالحا ، لفاتتنا الاربعون حديثا :246
صفحه ۲۴۵