141

مثل هذه السجية الموقوتة التي تدوس الحق والحقيقة ، وتطأ باقدام الجهل على الصدق والاستقامة .

ولا شك في ان القلب اذا غطاه صدأ حب الذات والارحام والتعصب القومي الجاهلي ، فلن يكون فيه مكان لنور الايمان ، ولا موضع للاختلاء مع الله ذي الجلال تعالى . ان ذلك الانسان الذي تظهر في قلبه تجليات نور الايمان والمعرفة ، ويطوق رقبته الحبل المتين والعروة الوثقى للايمان ، ويكون رهن الحقيقة والمعرفة ، هو ذلك الانسان الذي يلتزم بالقواعد الدينية وتكون ذمته مرهونة لدى القوانين العقلية ، ويتحرك بامر من العقل والشرع ، دون ان يهز موقفه اي من عاداته واخلاقه وما يأنس به من مألوفاته . فلا تحيد به عن الطريق المستقيم . ان الانسان الذي يدعي الاسلام والايمان هو ذلك الذي يستسلم للحقائق ويخضع لها ، ويرى اهدافه ، مهما عظمت ، فانية في اهداف ولي نعمته ، ويضحي بنفسه وبارادته في سبيل ارادة مولاه الحقيقي . ومن الواضح ان مثل هذا الشخص لا يعرف العصبية الجاهلية ، وانه بريء منها ، ولا يتجه قلبه الا الى حيث الحقائق ، ولا تغشي عينيه استار العصبية الجاهلية السميكة . وفي سبيل اعلاء كلمة الحق والاعلان عن الحقيقة يطأ بقدميه على كل العلاقات والارتباطات ، ويفدي بجميع الأقرباء والأحبة والعادات على اعتاب ولي النعم المطلق . واذا تعارضت العصبية الاسلامية عنده مع العصبية الجاهلية ، قدم الاسلام وحب الحقيقة .

ان الانسان العارف بالحقائق يعلم ان جميع العصبيات والارتباطات ليست سوى امور عرضية زائلة ، إلا تلك العلاقة بين الخالق والمخلوق ، وتلك هي العصبية الحقيقية التي هي امر ذاتي غير قابل للزوال ، وهو اوثق من كل ارتباط ، واقوى من كل حسب واسمى من كل نسب .

في حديث شريف ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : «كل حسب ونسب منقطع يوم القيامة الا حسبي ونسبي» (1) . وذلك لان حسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحاني وباق ، وبعيد عن جميع العصبيات الجاهلية ، وهذا الحسب والنسب الروحانيين في ذلك العالم ، يكون ظهوره اكثر وكماله اوضح ونسبه علاقة الهية لا تظهر على كمال حقيقتها الا في ذلك العالم . ان هذه العلائق الجسمانية الملكية القائمة على العادات البشرية انما تتقطع باتفه الاسباب ، وليس لاي منها في ذلك العالم نفع ولا قيمة ، الا تلك العلائق التي تتوثق في نظام ملكوتي الهي وتحت ظل ميزان القواعد الشرعية والعقلية . التي لا انفصام لها .

صفحه ۱۴۵