چهل حدیث
الاربعون حديثا
ژانرها
الاربعون حديثا :134
وهكذا يتضح ان غضب الله من اصعب الامور واشدها ، وان نار غضبه اشد احراقا ، وصورة الغضب للانسان في هذه الدنيا هي صورة نار غضب الله في العالم الآخر . وكما ان الغضب يظهر من القلب ، فلعل نار الغضب الالهي الذي يكون مبدأه الغضب وسائر الرذائل القلبية الاخرى ، تنبعث من باطن القلب ، وتسري الى الظاهر ، وتخرج السنة نيرانها المؤلمة من الاعضاء الظاهرية مثل العين والاذن واللسان وغيرها بل ان هذه الاعضاء تكون ابواب تنفتح على جهنم ، فتحيط نار جهنم بالاعمال والآثار الجسمية التي في ظاهر جسد الانسان ، لتتجه الى باطنه ، فيقع الانسان في العذاب والشدة بين جهنمين : احدهما يبرز من باطن القلب ويدخل السنة لهيبها بواسطة ام الدماغ الى عالم الجسم . وثانيهما صورة قبائح الاعمال وتجسم الافعال ، حيث تتصاعد نيرانها من الظاهر الى الباطن ، والله سبحانه وتعالى يعلم مدى هذا الضغط ؟ وهذا العذاب ؟ انه غير الاحتراق وغير الإنصهار . اتظن ان احاطة جهنم تشبه هذه الاحاطات التي تتصورها ؟ ان الاحاطة هنا انما تكون بظاهر السطح فقط . اما الاحاطة هناك فتكون بالظاهر وبالباطن ، بالسطوح وبالاعماق . واذا اصبحت صورة الغضب عند الانسان صفة راسخة لا سمح الله وصورة الغضب آخر مراحل الرسوخ كانت المصيبة اعظم ، واصبح للانسان في البرزخ ويوم القيامة صورة السباع ، السباع التي لا شبيه لها في هذه الدنيا . وذلك لان سبعية الانسان ، وهو في حالة الغضب ، لا يمكن مقارنتها بسبعية اي حيوان آخر من الحيوانات . وكما ان الانسان في حالة كماله اعجوبة الدهر ولن تجد له نظيرا ، كذلك في حال نقصه واتصافه بالرذائل وبالصفات الخسيسة لن تجد بين الكائنات من يقف معه في ميزان المقارنة ، لقد وصفهم الله بقوله : «ان هم الا كالانعام بل هم اضل» (1) ، ووصف قلوبهم فقال : «فهي كالحجارة او اشد قسوة» (2) .
هذا الذي مر بك كان جانبا من مفاسد نار الغضب الحارقة ، اذا لم يستتبع الغضب معاص اخرى ، بل بقي نارا داخلية مظلمة تتعقد في الباطن وتنحبس وتختنق فتطفئ نور الايمان ، كالنار المشتعلة التي يخالطها الدخان الاسود الذي يغشى النور فيطفئه . ولكن ذلك امر بعيد ، بل قد يكون من الامور المستحيلة ان يكون الانسان في حال غضب شديد مستعرة ناره ، ثم يمتنع عن ارتكاب معاص وموبقات مهلكة اخرى . فكثيرا ما يؤدي الغضب المستعر ، وهذه الجمرة الشيطانية الملعونة ، في مدة دقيقة واحدة الى القاء الانسان في هاوية الهلاك والعدم ، كان يسب الانبياء والمقدسات والعياذ بالله او يقتل نفسا بريئة مظلومة ، او يهتك الاربعون حديثا :135
صفحه ۱۳۴