[المتن]
الحديث الأول [الإشتغال بعيوب النفس]
عن أنس بن مالك قال: خطبنا رسول الله على ناقته الجدعاء فقال: (أيها الناس كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وكأن الذي نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم، ونأكل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهم، نسينا كل واعظة، وأمنا كل جائحة، فطوبى(1) لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وطوبى(2) لمن أنفق مالا اكتسبه من غير معصية الله، وجالس أهل الفقه والحكمة، وخالط أهل الذلة والمسكنة، طوبى لمن ذلت نفسه، وحسنت خليقته، وصلحت سريرته، وعزل عن الناس شره، فطوبى لمن أنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السنة ، ولم تستهوه البدعة).
صفحه ۹
الحديث الثاني [القرين الحقيقي]
عن حليفة بن الحصين قال: سمعت قيس بن عاصم المقري قال: قدمت على رسول الله في وفد من جماعة بني تميم فقال لي: (يا قيس اغتسل بماء وسدرة ففعلت، ثم عدت إليه فقلت: يا رسول الله عظنا موعظة ننتفع بها، فقال عليه السلام: يا قيس إن مع العز ذلا، وإن مع الحياة موتا، وإن مع الدنيا آخرة، وإن لكل شيء حسيبا، وعلى كل شيء رقيبا، وإن لكل حسنة ثوابا، ولكل سيئة عقابا، وإن لكل أجل كتابا، إنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريما أكرمك، وإن كان لئيما أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحا، فإنه إن كان صالحا لم تأنس إلا به، وإن كان فاحشا لم تستوحش إلا منه، وهو فعلك).
صفحه ۱۰
الحديث الثالث [علامات العاقل]
عن أبي الدرداء قال: خطبنا رسول الله فقال: (أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا، وأكثروا الصدقة ترزقوا، وأمروا بالمعروف تخصبوا، وانهو عن المنكر تنصروا، أيها الناس: إن أكيسكم أكثركم ذكرا للموت وأحزمكم أحسنكم استعدادا له، ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسكنى القبور، والتأهب ليوم النشور).
صفحه ۱۱
الحديث الرابع [المؤمن بين مخافتين]
عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله يقول في خطبته:(أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، وإن المؤمن بين مخافتين، بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الممات، فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار).
صفحه ۱۲
الحديث الخامس [القرآن وأهميته]
عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا رسول الله فقال في خطبته: (إنه لا خير في العيش إلا لعالم ناطق، أو مستمع واع، أيها الناس: إنكم في زمان هدنة، وإن السير بكم سريع، وقد رأيتم الليل والنهار كيف يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فقال له المقداد: يا نبي الله وما الهدنة؟ فقال: دار بلاء وانقطاع، فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفع، وشاهد مصدق، من جعله إماما قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، هو أوضح دليل إلى خير سبيل، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل).
صفحه ۱۳
الحديث السادس [علامات الإيمان]
عن ابن عمر قال: قال رسول الله : (لا يكمل عبد الإيمان بالله حتى يكون فيه خمس خصال: التوكل على الله، والتفويض إلى الله، والصبر على بلاء الله، والتسليم لأمر الله، والرضاء بقضاء الله، إنه من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان).
صفحه ۱۴
الحديث السابع [تحريم الأذية]
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: في خطبته: (أيها الناس إن العبد لا يكتب في المسلمين حتى يسلم الناس من يده ولسانه، ولا ينال درجة الإيمان حتى يأمن أخوه بوائقه، وجاره بوادره، ولا يعد من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذارا مما به البأس، أيها الناس: إنه من خاف البيات أدلج، ومن أدلج في المسير وصل، وإنما تعرفون عواقب أعمالكم لو قد طويت صحائف آجالكم، أيها الناس: إن نية المؤمن خير من عمله، وإن نية الفاسق شر من عمله).
صفحه ۱۵
الحديث الثامن [الانقطاع إلى الله]
عن ابن عباس قال: قال رسول الله : ( من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة فيها، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها، ومن حاول أمرا بمعصية لله كان أبعد له مما رجا، وأقرب مما اتقى، ومن طلب تحامد الناس بمعاصي الله عاد حامده منهم ذاما، ومن أرضى الناس بسخط الله وكله الله إليهم، ومن أرضى الله بسخط الناس كفاه الله شرهم، ومن أحسن فيما بينه وبين الله كفاه الله فيما بينه وبين الناس، ومن أحسن سريرته أصلح الله علانيته، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه).
صفحه ۱۶
الحديث التاسع [عواقب اللسان]
عن ابن عمر قال: قال رسول الله : (رحم الله عبدا تكلم فغنم، أو سكت فسلم، إن اللسان أملك شيء للإنسان، ألا وإن كلام العبد كله عليه، إلا ذكرا لله ، أو أمرا بمعروف، أو نهيا عن منكر، أو إصلاحا بين المؤمنين، فقال له معاذ بن جبل: يا رسول الله أنؤاخذ بما نتكلم به؟ فقال: وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم، فمن أراد السلامة فليحفظ ما جرى به لسانه، وليحرس ما انطوى عليه جنانه، وليحسن عمله، وليقصر أمله) ثم لم تمض أيام حتى نزلت هذه الآية:{لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} ) (1).
صفحه ۱۷
الحديث العاشر [الدنيا مزرعة الأخرة]
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله : (لا تسبوا الدنيا فهي مطية المؤمن، عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر، إنه قال العبد لعن الله الدنيا، قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربه).
قال السيد الشريف: فأخذ هذا المعنى بعضهم فقال:
... يقولون الزمان به فساد
... ... ... وهم فسدوا وما فسد الزمان
صفحه ۱۸
الحديث الحادي عشر [تذكر الموت]
عن ابن عباس قال: قال رسول الله : (أكثروا ذكر هادم اللذات، فإنكم إن ذكرتموه في ضيق وسعه عليكم فرضيتم به فأجرتم، وإن ذكرتموه في غنى بغضه إليكم فجدتم به فأثبتم، فإن المنايا قاطعات الآمال، والليالي مدنيات الآجال، وإن المرء بين يومين، يوم قد مضى أحصي فيه عمله فختم عليه، ويوم قد بقي لا يدري لعله لا يصل إليه، وإن العبد عند خروج نفسه وحلول رمسه يرى جزاء ما أسلف وقلة غنى ما خلف، ولعله من باطل جمعه، أو من حق منعه).
صفحه ۱۹
الحديث الثاني عشر [قسمة الأرزاق]
عن ابن عباس قال: قال رسول الله : (أيها الناس إن الرزق مقسوم لن يعدو امرء ما كتب له، فأجملوا في الطلب، وإن العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قدر له، فبادروا بالعمل قبل نفاد الأجل، والأعمال محصاة لن يهمل منها صغيرة ولا كبيرة، فأكثروا من صالح العمل، أيها الناس: إن في القنوع لسعة، وإن في الإقتصاد لسلعة، وإن في الزهد لراحة، ولكل عمل جزاء وكل آت قريب).
صفحه ۲۰
الحديث الثالث عشر [عبيد الشهوات]
عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله يقول في بعض خطبه أو مواعظه: (أما رأيتم المأخوذين على العزة، والمزعوجين بعد الطمأنينة، الذين أقاموا على الشبهات، وجنحوا إلى الشهوات، حتى أتتهم رسل ربهم، فلا ما كانوا أملوا أدركوا، ولا إلى ما فاتهم رجعوا، قدموا على ما عملوا، وندموا على ما خلفوا، فلن يغني الندم وقد جف القلم، فرحم الله امرءا قدم خيرا، وأنفق قصدا، وقال صدقا، وملك دواعي شهوته ولم تملكه، وعصى أمر نفسه فلم تهلكه).
صفحه ۲۱
الحديث الرابع عشر [الحكمة ممن ولمن]
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : (لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تعاقبوا ظالما فيبطل فضلكم، ولا تراءوا الناس فيحبط عملكم، ولا تمنعوا الموجود فيقل خيركم، أيها الناس: إن الأشياء ثلاثة: أمر استبان رشده فاتبعوه، وأمر استبان غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف عليكم فردوه إلى الله، أيها الناس: ألا أنبئكم بأمرين خفيفين مؤنتهما عظيم أجرهما لم يلق الله بمثلهما، الصمت وحسن الخلق).
صفحه ۲۲
الحديث الخامس عشر [فضل التواضع]
عن ابن عمر قال: خطبنا رسول الله خطبة ذرفت منها العيون، ووجلت لها القلوب، فكان مما حفظت منها: (إن أفضل الناس من تواضع عن رفعة، وزهد عن غنية، وأنصف عن قوة، وحلم عن قدرة، ألا إن أفضل الناس عبد أخذ من الدنيا الكفاف، وصاحب فيها العفاف، وتزود للرحيل، وتأهب للمسير، ألا وإن أعقل الناس عبد عرف ربه فأطاعه، وعرف عدوه فعصاه، وعرف دار مقامه فأصلحها، وعلم سرعة رحلته فتزود لها، ألا وإن خير الزاد ما صحبه التقوى، وخير العلم ما تقدمته النية، وأعلى الناس منزلة عند الله أخوفهم منه).
صفحه ۲۳
الحديث السادس عشر [آثار الشبهات والشهوات]
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : (إنما يؤتى الناس يوم القيامة من إحدى ثلاث: إما من شبهة في الدنيا ارتكبوها، أو شهوة للذة آثروها، أو غضبة لحمية أعملوها، فإذا لاحت لكم شبهة فاجلوها باليقين، وإذا عرضت لكم غضبة فادرؤوها بالعفو، وإذا عرضت لكم شهوة فاقمعوها بالزهد، إنه ينادي مناد يوم القيامة، من له على الله أجرا فليقم، فيقوم العافون عن الناس، ألم تر إلى قوله تعالى:{فمن عفا وأصلح فأجره على الله}(1)).
صفحه ۲۴
الحديث السابع عشر [حزن ابن آدم وفرحه]
عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله : (يقول الله تعالى: يا ابن آدم تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن، وينقص كل يوم من عمرك وأنت تفرح، أنت فيما يكفيك وتطلب ما يطغيك، لا بقليل تقنع، ولا بكثير تشبع).
صفحه ۲۵
الحديث الثامن عشر [العفو وكظم الغيظ]
عن أبي هريرة قال: بينما رسول الله ذات يوم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقيل له: مم تضحك يا رسول الله؟ قال :(رجلان من أمتي جثيا بين يدي(1) ربي، فقال أحدهما: يا رب خذ لي بظلمتي من أخي، قال الله تعالى: اعط أخاك مظلمته، فقال: يا رب ما بقي من حسناتي شيء فقال: يا رب فليحمل من أوزاري، وفاضت عينا رسول الله ، ثم قال: إن ذلك اليوم ليوم يحتاج الناس فيه إلى أن يحمل عنهم من أوزارهم، ثم قال الله تعالى للطالب بحقه: ارفع بصرك فانظر إلى الجنان، فرفع رأسه فرأى ما أعجبه من الخير والنعمة فقال: لمن هذا يا رب؟ فقال: لمن أعطاني ثمنه، فقال: ومن يملك ذلك؟ قال: أنت ، قال: وبماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب فإني قد عفوت عن أخي، قال: خذ بيد أخيك فادخله الجنة، ثم قال رسول الله : (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم).
صفحه ۲۶
الحديث التاسع عشر [أولياء الله]
عن أنس بن مالك قال: قيل لرسول الله : من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ قال: (الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، واهتموا بآجل الدنيا حين اهتم الناس بعاجلها، فأملقوا منها ما خشيوا أن يميتهم، وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم، فما عرض لهم من نابلها عارض إلا رفضوه، ولا خادعهم من رفعتها خادع إلا وضعوه، خلقت الدنيا عندهم فما يجددونها، وخربت بينهم فلا يعمرونها، وماتت في صدورهم فما يحييونها، بل يهدمونها فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم، ونظروا إلى أهلها صرعى فأدخلت بهم المثلات، فما يرون أمانا دون ما يرجون ولا خوفا دون ما يحذرون).
صفحه ۲۷
الحديث العشرون [التزود ليوم المعاد]
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللهيقول: (إنما أنتم خلف ما بين ماضين وبقية متقدمين كانوا أكثر منكم بسطة وأعظم سطوة، وأزعجوا عن الدنيا أسكن ما كانوا إليها، وغدرت بهم أوثق ما كانوا بها فلم تغن عنهم قوة عشيرة، ولا قبل منهم بدل فدية، فأرجلوا نفوسكم بزاد مبلغ، قبل أن تؤخذوا على فجأة، وقد غفلتم عن الإستعداد).
صفحه ۲۸