251- وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((خمس صلوات في اليوم والليلة))، دليل على عدم وجوب ما عداها من وتر وغيره، لا سيما وقد صرح أن ما عداها تطوع، فانتفى بذلك الوجوب والفرضية عند من يفرق بين مسماهما، وكذلك الحديث يدل أيضا على أنه لا واجب سوى شهر رمضان، واحتج بهذا الحديث من قال بأن التطوعات تلزم بالشروع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه لا واجب عليك إلا أن تطوع فيجب عليك حينئذ، فيكون على هذا التقدير الاستثناء متصلا، وهو حقيقة الاستثناء المتفق عليه، وأما من يقول بأن التطوع لا يلزم بالشروع كالشافعي ومن وافقه، فالاستثناء في هذا الحديث عندهم منقطع، وقد اختلف فيه، والأرجح أنه مجاز، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
252- والجواب عن هذا أن الأحاديث الكثيرة الصحيحة دلت على جواز الخروج من صوم التطوع من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره وتقريره، مما ليس هذا موضع ذكرها مفصلة، فيتعين حمل الاستثناء على المنقطع هنا للجمع بين الأحاديث كلها، ويكون التقدير: لكن لك أن تطوع، وفي هذا أيضا دليل على صحة إطلاق التطوع على كل ما عدا الفرائض، سواء كان راتبا أو لا.
253- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أفلح إن صدق))، قيل فيه: إنما أتى بلفظة الماضي تحقيقا للحال، لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من خلوص نية هذا الأعرابي، وعقبه بقوله: ((إن صدق)) لئلا يتكل الناس، وقيل: هو ماض أريد به الاستقبال، كما في قول الشاعر:
يقول له كفيتك كل شيء ... أهمك عما تخطتني الحتوف
254- أي: أكفيك، والأحسن في ذلك أن يقال: إنه فعل تقدم حرف الشرط، والنية فيه التأخير، كما أن النية في ((إن صدق)) التقديم، والتحقيق فيه أنه ليس جوابا للشرط، بل دال عليه سد مسده، والجواب محذوف، ومثله قوله تعالى: {قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم}، وذلك حجة على من منع تقدم الفعل الماضي على الشرط إذا كان ما بعد الشرط ماضيا أيضا.
255- وقد استشكل جماعة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا القائل بفلاحه من وجهين:
256- أحدهما: أن للإسلام فرائض غير ما طلب في الحديث، فكيف يقر على ترك ما لم يذكر له من الفرائض.
صفحه ۳۶۹