وثانيها : انا لو قدرنا حجرا واقفا فى ماء جار ، فالشيء الساكن لا معنى لسكونه ، الا أنه بقى فى مكانه أكثر من زمان واحد. ولا يمكن أن يكون المكان مفسرا بالسطح المحيط ، لأن الماء اذا كان جاريا على ذلك الحجر ، لم يبق ذلك الحجر ملاقيا لسطح واحد ، أزمنة كثيرة. فلو كان المكان عبارة عن السطح ، لوجب أن لا يكون ذلك الحجر واقفا. ولما دلت المشاهدة على أنه واقف ساكن ، علمنا : أنه لا بد وأن يكون المكان أمرا آخر ، مغايرا للسطح المحيط. وما ذلك الا ذلك البعد الذي نفذ بعد الجسم الواقف فيه.
وثالثها : ان كل أحد يعلم بالضرورة أن بين طرفى الآنية مقدارا من البعد. وذلك المقدار من البعد ، ليس هو الجسم. والا لزم القول بكون العالم ملاء. وذلك محال. والا لكانت الحركة ممتنعة على الأجسام. فثبت : أن البعد المفترض بين طرفى الآنية ليس بجسم. ولا شك أن الجسم ينفذ فيه وينطبق بعده عليه. فثبت : أن المكان بعد.
** لأنا نقول :
اما التفسير الأول : فهو باطل قطعا. وذلك لأن المسمى بالحيز ، أما أن لا يكون له وجود فى الخارج ، واما أن يكون له وجود فى الخارج. فان لم يكن له وجود فى الخارج ، امتنع أن يكون الجسم الموجود فى الخارج حاصلا فيه. لأن ما لا يكون موجودا فى الخارج ، امتنع حصول الجسم فيه فى الخارج ، وأما ان كان له وجود فى الخارج ، فحينئذ يرجع التقسيم المذكور بتمامه.
واما التفسير الثانى : وهو أن القول بأن المكان عبارة عن البعد المجرد. فنقول : هذا باطل قطعا. ويدل عليه وجوه ثلاثة :
أحدها : ان طبيعة البعد اما أن تكون قابلة للحركة ، واما أن لا تكون قابلة لها. فان كانت قابلة للحركة ، فاذا كان المكان هو بعدا ،
صفحه ۴۰