آرام دمشق و اسرائیل: در تاریخ و تاریخ توراتی
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
ژانرها
17
فالمهجرون من مملكة حماة قد أخذوا إلى آشور كما رأينا في نص صارغون الثاني أعلاه، وتم ضمهم إلى الجيش الآشوري، وكذلك سكان مملكة كركميش على ما يذكره نص آخر لصارغون، نقرأ فيه: «في السنة الخامسة لحكمي حنث بيصيري ملك كركميش بالعهد والقسم الذي أقسمه أمام الآلهة العظام، وبعث برسالة إلى ميتاكوشي ملك موكشي مليئة بالمخططات العدوانية ضد آشور. فرفعت يدي إلى إلهي آشور بالصلاة وتوجهت إليه، فجعلته يستسلم عاجلا مع عائلته، فخرجوا جميعا من كركميش ومعهم ذهبهم وفضتهم وممتلكاتهم الشخصية تقدمة لي، فرميتهم بالأصفاد، ثم أحللت في كركميش سكانا من آشور.»
18
أما أهل القبائل العربية الذين قهرهم صارغون في المناطق الشمالية من جزيرة العرب فقد تم ترحيلهم إلى أراضي السامرة التي سبقتهم إليها جماعات مغلوبة أخرى. نقرأ في نص لصارغون الثاني: «بناء على نبوءة صادقة من إلهي آشور، سرت وقهرت قبائل ثمود وأباديدي ومارسيمانو وحاييبا؛ العرب الذين يعيشون بعيدا في الصحراء، الذين لا يعرفون البحار ولا الرؤساء، ولم يأتوا بجزيتهم لأي ملك. لقد أبعدت من بقي منهم حيا وأسكنتهم في السامرة.»
19
يذكر العديد من نصوص الترحيل الآشورية أن شعوبا بأكملها قد سيقت إلى المنفى، إلا أن النصوص التي تذكر أعداد المهجرين لا تزيد عن ثلاثة وأربعين نصا من أصل مائة وستة وخمسين. ولكي نأخذ فكرة عن العدد الإجمالي للسكان، الذين طالتهم عمليات الترحيل، يكفي أن نذكر أن 13 نصا من أصل ال 46 نصا التي تذكر أرقام المهجرين يتحدث عن تهجير ما يزيد عن ال 30000 نسمة في كل عميلة، بما فيها عملية الترحيل الكبرى لسكان بابل، والتي طالت حسب الرقم الآشوري المقدم 208000 نسمة. من هنا فإن الحديث عن ملايين الناس الذين طالتهم عمليات التهجير الآشورية لا يدخل في نطاق المبالغة.
20
أما عن أهداف سياسة التهجير الآشورية فمتعددة؛ فأولا: كان التهجير بمثابة عقوبة للشعوب الثائرة، التي لم تنفع الوسائل الأخرى في إخماد ثوراتها المتلاحقة. وثانيا: كان توطين المهجرين في المناطق الجديدة، باستثناء آشور، يستهدف تغيير التركيب السكاني في المناطق المتمردة التي رحل إليها هؤلاء المهجرون، وخلخلة التجانس الإثني فيها من أجل منع حدوث ثورات محتملة فيها. وثالثا: كان قسم لا بأس به من المهجرين يوطن في مناطق خالية من السكان بهدف إحيائها اقتصاديا والاستفادة منها لصالح التاج الآشوري. أما إعادة التوطين في مناطق آشور فقد استهدفت رفد القوة العسكرية الآشورية بأفضل جنود البلاد المقهورة، والإفادة من الحرفيين المهرة لدعم الصناعات المحلية، والإفادة أيضا من الإنتلجنسيا المغلوبة في شتى وظائف القصر والإدارات العامة، وأخيرا تزويد أعمال البناء العامة باليد العاملة المسخرة.
وكما هو شأن الدعاوى الإمبريالية الحديثة، التي كانت تقدم الاستعمار للشعوب المغلوبة على أنه إنقاذ لها من حكامها ومن أوضاعها الاقتصادية المتردية، وترسم صورة للمستعمر باعتباره مصلحا وحاملا لرسالة التقدم، كذلك كان شأن الدعاوى السياسية الآشورية التي كانت تتوجه للشعوب بشعارات مشابهة. فآشور هو المنقذ لهذه الشعوب، والمنفى الذي ينتظرها هو جنة وفردوس لمن يستسلم للآلة الحربية الآشورية. ولدينا نص من سفر الملوك الثاني يتفق كل الاتفاق مع هذه النغمة الإعلامية التي نجدها في العديد من النصوص الآشورية. فعندما كان القائد الآشوري ربشاقي يحاصر أورشليم في عهد حزقيا؛ يتوجه هذا القائد إلى أهل أورشليم بخطاب تحت السور يدعوهم فيه إلى الاستسلام، الذي ستكون مكافأته ترحيلهم إلى أرض جديدة يتملك فيها كل واحد منهم حقلة طيبة تفيض خمرا وعسلا، ويأكل من كرمته وتينته الخاصة، التي زرعها بنفسه. نقرأ في سفر الملوك الثاني: «اسمعوا كلام الملك العظيم ملك آشور. هكذا يقول الملك: لا يخدعكم (ملككم) حزقيا لأنه لا يقدر أن ينقذكم من يدي ... لا تسمعوا لحزقيا، لأنه هكذا يقول ملك آشور: اعقدوا صلحا معي واخرجوا إلي، وكلوا كل واحد من جفنته، وكل واحد من تينته، واشربوا كل واحد من ماء بئره. حتى آتي وآخذكم إلى أرض كأرضكم، أرض حنطة وخمر، أرض خير وكروم، أرض زيتون وعسل. واحيوا ولا تموتوا» (الملوك الثاني، 18: 28-33).
الفصل السادس
صفحه نامشخص