آرام دمشق و اسرائیل: در تاریخ و تاریخ توراتی
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
ژانرها
نستنتج من هذا النص أن الحملة الآشورية لم تحقق كل أهدافها. فحزائيل قد انسحب إلى دمشق وتحصن بها، وقاوم شلمنصر الذي فك حصاره عن المدينة وانتقم من حزائيل بقطع أشجار الغوطة، وتهديم المدن والقرى في حوران لدى تقدمه جنوبا في الطريق إلى الساحل الفلسطيني اللبناني. عند الساحل في بعل راسي، الذي يمكن أن يكون جبل الكرمل الذي يصل طرفه حتى الشاطئ، يكتفي الملك الآشوري بتلقي الجزية من الدويلات الفينيقية الكبرى ومن إسرائيل، ثم يعود إلى بلاده تاركا القوة العسكرية الضاربة لدمشق سليمة رغم الهزيمة. ويمكن أن نلاحظ من قول نص شلمنصر إنه تلقى الجزية من صور ومن صيدون ومن ياهو أن اسم ملكي صور وصيدون لم يذكر في النص بينما ذكر اسم ياهو شخصيا. وهذا يعني أن ملكي صور وصيدون قد أرسلا الجزية إلى ملك آشور، أما ياهو فقد حضر بنفسه إلى شلمنصر معلنا ولاءه المطلق. ويؤكد ذلك اكتشاف نحت بارز في موقع نمرود عاصمة شلمنصر يصور الملك ياهو ساجدا عند قدمي شلمنصر، كتب تحته: «جزية ياهو بن عمري. تلقيت منه فضة وذهبا و... إلخ.»
13
ومن الجدير بالذكر أن حادثة لقاء ياهو بشلمنصر الثالث غير واردة في الرواية التوراتية، وسفر الملوك الثاني لم يأت على ذكر شلمنصر الثالث، لا في عرضه لسيرة حياة الملك ياهو ولا في غيرها، جريا على ما عودنا عليه المحرر التوراتي حتى هذا الوقت المتأخر من تجاهل للأحداث الدولية الجارية.
أما عن تسمية ياهو في النص الآشوري ب «ابن عمري» فقد فسره المؤرخون بأحد أمرين؛ الأول أن مملكة السامرة كانت تدعى أحيانا بأرض أو بلاد عمري، نسبة إلى مؤسس المملكة، وقد وردت هذه التسمية أكثر من مرة في السجلات الآشورية. من هنا يمكن أن يكون المقصود ب «ابن عمري» هنا هو رجل بلاد عمري، أو صاحب بلاد عمري أو ما شابه ذلك. والثاني هو أن كاتب النص الآشوري قد ألحق ياهو بأسرة عمري جهلا منه بحقيقة الأوضاع الداخلية في مملكة السامرة. وقد اطلعت مؤخرا على دراسة حديثة منشورة عام 1995 في مجلة «علم الآثار التوراتي» تتضمن تفسيرا أكثر إقناعا. تلاحظ كاتبة الدراسة
Tammi Schneider
من متابعتها لأخبار ياهو في سفر الملوك الثاني ما يلي: (1) إن الملك ياهو هو الملك الوحيد بين ملوك السامرة الذي عني المحرر بذكر اسم أبيه واسم جده أيضا فقال: ياهو بن يهوشافاط بن نمشي. (2) لم يذكر النص التوراتي اسم أب أحد من مغتصبي العرش في دولة السامرة قبل ياهو، من أمثال زمري وعمري اللذين دعيا باسمهما فقط. نقرأ في سفر الملوك الأول (16: 15): «في السنة السابعة والعشرين لآسا ملك يهوذا ملك زمري سبعة أيام في ترصة.» وفي الإصحاح نفسه الفقرة 15 نقرأ: «فملك كل إسرائيل عمري رئيس الجيش على إسرائيل في ذلك اليوم.» (3) تلاحظ كاتبة الدراسة أن ياهو كان يتصرف في علاقاته مع أفراد الأسرة المالكة وكأنه واحد منهم، وتورد عددا من الأمثلة على ذلك. ثم تضيف إلى هذه الملاحظات الحصيفة رأيها في مسألة جهل الآشوريين بالأوضاع الداخلية لمملكة السامرة، وتفند ذلك معتمدة على عدد من الأمثلة التي تثبت أن البلاط الآشوري كان يتابع بدقة ما يجري في الممالك المعادية ويرصد أوضاعها الداخلية. وقد رأينا على سبيل المثال رصده لأحوال دمشق وتسجيله لواقعة موت هدد عدر، وقيام حزائيل باغتصاب السلطة فيها. ثم تخلص من ذلك إلى القول بأن كاتب النص الآشوري كان يعرف بأن ياهو كان واحدا من أبناء الملك عمري، ولكنه ليس من سلالة آخاب بن عمري، بل من أخ غير شقيق له اسمه نمشي. من هنا فإن النص الآشوري قد دعا ياهو باسمه الحقيقي عندما لقبه بابن عمري. وترسم الباحثة المخطط التالي لشجرة نسب ياهو:
14
وهناك ملاحظة أخرى في رواية سفر الملوك الثاني عن اغتصاب ياهو للعرش وإبادته لذرية آخاب تدعم هذا التفسير، وهي أن النص كان يكرر على الدوام أن ياهو قد أباد أسرة آخاب من دون التطرق إلى أسرة عمري، دلالة على أن المغتصب قد قضى على فرع آخاب من أسرة عمري، لا على أسرة عمري كلها.
بعد أن عاد شلمنصر الثالث من حملة عام 841ق.م. على بلاد الشام قامت هدنة غير معلنة بين دمشق وآشور استمرت ثلاث سنوات، عاد بعدها شلمنصر فشن ثلاث حملات على دمشق. إلا أن أخبار هذه الحملات غير واضحة تماما، بسبب قصر النصوص التي تذكرها وأسلوبها المختزل. ولكننا نفهم أن حزائيل قد بقي حصينا في مدينته، وأن الحملات الثلاث لم تحقق سوى إخضاع عدد من المدن التابعة لدمشق وتحصيل الجزية منها. فمن الحوليات المختصرة، التي تكتفي بذكر اسم منطقة العمليات وسنة القيام بها، نعرف أن شلمنصر قد شن حملة على بلدة ملاحة (المليحة) في السنة الحادية والعشرين لحكمه، وعلى بلدة دنابي في السنة الثانية والعشرين، وعلى بلدة تابالا (الطبالة) في السنة الثالثة والعشرين.
15
صفحه نامشخص