آرام دمشق و اسرائیل: در تاریخ و تاریخ توراتی
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
ژانرها
14
تابع رمسيس الثاني (1290-1224ق.م .) ما بدأه أبوه سيتي الأول من حركة ضغط مستمرة على حاتي. وقد ترك لنا هذا الفرعون عددا من النصب التذكارية لحملاته على بلاد الشام، اكتشف واحد منها في موقع بيت شان بفلسطين، وثلاثة على الساحل. وكان لا بد أخيرا من الصدام مع حاتي، فالتقى رمسيس مع الجيش الحثي في قادش عام 1286ق.م. ورغم أن المعركة لم تكن حاسمة، وأن الفرعون قد وقع في كمين كاد يودي بحياته لولا أن تخلص منه بشجاعته الفردية، إلا أن رمسيس الثاني قد خلد هذه المعركة في نص مفصل طويل. وقد استمرت المناوشات بين الفريقين لمدة ستة عشرة عاما تلت معركة قادش، وانتهت عام 1270ق.م. بتوقيع معاهدة سلام بين مصر وحاتي، تعتبر من أشهر معاهدات العالم القديم. وقد أطلقت المعاهدة يد الحثيين في مناطق بلاد الشام الوسطى والشمالية ابتداء من قادش، واحتفظ المصريون بمنطقة أوبي التي بقيت الحد الفاصل بين المملكتين. وقد تم اكتشاف نسختين من المعاهدة؛ واحدة في حاتوسس عاصمة حاتي، والثانية في طيبة عاصمة مصر. وقد أعقب المعاهدة زواج رمسيس الثاني من ابنة الملك الحثي حاتوشيلي. وتشير مراسلات الطرفين بخصوص ترتيبات موكب الأميرة الحثية إلى أن الموكب سيصل تحت حراسة حثية حتى أراضي أوبي، ومن هناك تتعهده الحراسة المصرية حتى الوصول إلى طيبة.
15
استمر حكم رمسيس الثاني حتى العقود الأخيرة من القرن الثالث عشر. وفي عهد ابنه مرنفتاح لم يحصل تغيير يذكر في موازين القوى الدولية. فقد كان مرنفتاح مشغولا بالتصدي لليبيين الذين هاجموا الدلتا بمعونة شعوب البحر. وبعد ذلك ظهرت في الأفق جحافل الفريق الآخر من شعوب البحر، الذي هبط من آسيا الصغرى متخذا طريقه نحو مصر، فتصدى له رمسيس الثالث وشتته. ومع هذه الأحداث الجسام، التي ختمت ثقافة عصر البرونز الأخير وافتتحت عصر الحديد، تغيب أخبار أوبي ودمشق لعدة قرون تالية. وعندما يظهر ذكر دمشق مجددا نراها مدينة آرامية قوية.
وخلاصة القول بشأن مدينة دمشق في العصور السابقة للعهد الآرامي أن المعلومات التاريخية حولها قليلة ومبعثرة، ومصدرها الرئيسي سجلات القوى العظمى، التي تضاربت مصالحها في منطقة بلاد الشام وتصادمت مع بعضها لفترة طويلة. وبما أن ذكر إقليم أوبي لا يرد في هذه السجلات إلا في سياق أحداث الصراع على مناطق النفوذ، فإن منطق الأمور يشير إلى قلة شأن هذا الإقليم خلال عصر البرونز، وكونه مجرد منطقة تنافس وتطاحن لا يعتد بقوتها الذاتية أو بتكوينها المدني والسياسي، وفيما يتعلق بمدينة دمشق بشكل خاص، فإن الأخبار المتفرقة عنها لا ترسم صورة عن أوضاعها الداخلية، وبنيتها السياسية. فهي تظهر تارة كإمارة أو حتى مشيخة بدون كيان سياسي واضح عندما يأتيها المفوض المصري بيرياوازا ويقيم فيها دون ذكر لحاكمها أو ملكها، وتارة تخبرنا النصوص عن ملوك يحكمونها، وتعلمنا عن ملكين منهم، هما أريوانا الذي قبض عليه الملك الحثي، وزلايا الذي خاطبه الفرعون في رسالته بخصوص ترحيل العابيرو إلى مصر. من هنا، يمكن القول بأن دمشق في عصر البرونز لم تكن سوى بلدة صغيرة تعيش على هامش الأحداث. غير أن هذه البلدة قد قيض لها بعد ثلاثة قرون من عصر العمارنة أن تغدو القوة الرئيسية الثانية بعد آشور في مناطق غربي الفرات تحت حكم ملوك آرام. وهذا ما سنتابع قصته في الفصل التالي.
الفصل الرابع
إمبراطورية دمشق والعلاقات الآرامية الفلسطينية
(1) دمشق وإسرائيل: حروب وتحالفات
بعد الخبر التوراتي عن وفاة الملك سليمان، تنتهي الفترة ما قبل التاريخية في الرواية التوراتية، ويدخل الحدث التوراتي فيما يشبه التاريخ. ولكي يلتقط القارئ خيط الأحداث الذي تركناه في القسم الأول من هذا الكتاب، نعود للتذكير بسرعة بالأخبار التي أوردها النص التوراتي في القسم الثاني من سفر الملوك الأول، وذلك بين وفاة الملك سليمان وأول شخصية إسرائيلية موثقة تاريخيا، وهي شخصية الملك عمري مؤسس مملكة إسرائيل، وباني مدينة السامرة، وابنه آخاب من بعده. فلقد ملك يربعام على إسرائيل وتبعته القبائل الإسرائيلية جميعها، أما رحبعام ابن الملك سليمان فقد ملك على يهوذا ولم يتبعه سوى سبط بنيامين، إضافة إلى يهوذا نفسها، ثم دخلت المملكتان في صراع دائم. ولكي يكرس ملك إسرائيل استقلاله التام عن أورشليم كان لا بد من تكريس الاستقلال الديني، فبنى للإسرائيليين معبدين؛ واحدا في دان، والآخر في بيت إيل، أي في شمال منطقة إسرائيل وجنوبها، ووضع في كل منهما صورة للعجل الذهبي رمز آلهة كنعان. وهذه أسماء ملوك إسرائيل ويهوذا وسنوات حكمهم، وذلك بين وفاة سليمان وقيام أسرة عمري التاريخية، إذا أخذنا العام 931ق.م. تاريخا لوفاة سليمان، وأخذنا بعين الاعتبار فترات التداخل بين حكم الأب وابنه، حيث جرت العادة في الرواية التوراتية أن يتنازل الملك الأب عن قسم كبير لخليفته على العرش في زمن شيخوخته.
ملوك إسرائيل-السامرة
صفحه نامشخص