آرام دمشق و اسرائیل: در تاریخ و تاریخ توراتی
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
ژانرها
أما فيما يتعلق بآراميي وسط وجنوب سوريا، فإن المعلومات على بدايات تواجدهم في هذه المنطقة قليلة جدا ومبعثرة. فمن المؤكد أن كلا من حماة ودمشق قد وقعتا تحت السيطرة الآرامية منذ أواخر القرن الحادي عشر قبل الميلاد، إلا أن المعلومات التفصيلية تنقصنا عن بدايات التواجد الآرامي في هاتين المدينتين، وعن الأسر الحاكمة الأولى فيها. والمعلومات التوراتية، التي وردت عنهما ضمن أخبار داود وسليمان، ليست مما يمكن الاعتماد عليه. وبخصوص الممالك الآرامية التي يذكرها سفر صموئيل الثاني، وهي آرام معكة، التي وضعها المؤرخون في سفوح جبل الحرمون مع امتدادات تصل إلى بحيرة الحولة، وطوب التي وضعوها في شرقي الأردن شمالا إلى الجنوب من جيشور، وآرام صوبة التي صنعوا منها قوة كبرى في الشرق الأدنى ووضعوها في البقاع الشمالي مع امتدادت تصل شرقا إلى البادية وأطراف الفرات، فهذه جميعا ممالك يحوم الشك حول وجودها أصلا. وإنني أطرح هنا، وبكل ثقة علمية، رأيا مفاده أن هذه الممالك لم تقم أصلا لا في القرن العاشر قبل الميلاد ولا في أية فترة لاحقة من تاريخ المنطقة. فمملكة داود، التي دخلت في حروب مع هذه الممالك، لم تكن قائمة في القرن العاشر قبل الميلاد، كما أثبتنا سابقا بالأدلة العلمية، والوثائق الكتابية لممالك الشرق الأدنى القديم لم تحفل بذكر واحدة من هذه الممالك لا في القرن العاشر ولا بعده، والتنقيبات الأثرية في المواقع المفترضة جميعها لهذه الممالك لم تخرج بشاهد أثري واحد يدل على وجودها. فأي شيء يبقى بعد ذلك يدعونا إلى الاستمرار في الحديث عن «هذه الممالك المهمة والقوية»؟ لقد أراد محررو التوراة ابتكار خصوم وهميين لمملكة وهمية وملك وهمي، ونظرا لجهلهم الكامل بتاريخ تلك الحقبة التي يتحدثون عنها وبخارطتها السياسية، وهو جهل استطعنا إثباته عبر نقدنا النصي والتاريخي سابقا، فقد التقط هؤلاء المحررون أخبارا متواترة عن مشيخات آرامية قريبة إليهم زمنيا، وجعلوا منها شعوبا وممالك قوية. أما هدد عزر ملك صوبة الأسطوري، الذي امتدت سلطته من البقاع غربا إلى نهر الفرات، وفق ما يراه المؤرخون التقليديون، فلا أدري لماذا لم يتساءل هؤلاء المؤرخون عن سبب صمت النصوص الآشورية في القرن العاشر قبل الميلاد عن ذكره، وهي التي لم تترك مملكة ذات شأن في بلاد الشام إلا وذكرتها. والحقيقة كما أراها بخصوص هذا الملك أنه لم يكن سوى هدد عدر ملك دمشق الذي حكم في أواسط القرن التاسع قبل الميلاد، وواجه الآشوريين في عدد من المواقع الحربية المهمة وردهم عن مناطق غربي الفرات، وكانت أهم معاركه معركة قرقرة المشهورة على نهر العاصي. ونظرا لغموض وتضارب الأخبار التي توفرت لمحرري التوراة عن أحداث القرن التاسع، فقد جعلوا هدد عدر هذا ملكا على صوبة في القرن العاشر قبل الميلاد تحت اسم هدد عزر، وأحلوا محله على عرش دمشق في أواسط القرن التاسع قبل الميلاد ملكا اسمه بنهدد لم يكن موجودا في ذلك الوقت. ولسوف أتطرق بالتفصيل إلى هذه المسألة في موضعها لاحقا.
دمشق قبل العصر الآرامي
كانت دمشق بين المناطق الرائدة لثقافة العصر الحجري الحديث (النيوليتي) في المشرق العربي القديم. ورغم أننا لا نملك الأدلة من موقع المدينة ذاتها على تواجد إنسان العصر الحجري، إلا أن انتشار المواقع النيوليتية حول المدينة، مثل موقع تل أسود وموقع تل الرماد، يدل على أن المنطقة كانت مسكونة منذ مطلع الألف السابع قبل الميلاد على أقل تقدير، وأنها قد ساهمت في الثورة الثقافية الأولى في تاريخ البشرية، والتي يدعوها الأركيولوجيون بثورة العصر الحجري الحديث (أو الثورة النيوليتية). وبما أن مدينة دمشق العصر الإسلامي داخل السور ما زالت مسكونة حتى الآن، وتجثم فوق الطبقات الأركيولوجية السابقة، فإن قصور الأدلة الأثرية من موقع المدينة ذاته عن تلبية حاجة المؤرخ لا يقتصر على العصر الحجري، بل يتعداه إلى العصور التاريخية اللاحقة جميعها، وذلك نظرا إلى صعوبة التنقيب في المناطق المأهولة، إن لم يكن استحالته من حيث المبدأ.
من هنا، فإن معلوماتنا عن دمشق في العصور القديمة مستمدة بشكل رئيسي من النقوش الكتابية للشعوب والثقافات المجاورة، إضافة إلى بعض المعلومات القليلة جدا التي يقدمها لنا موقع المدينة الإسلامية داخل السور، والذي يتطابق إلى حد كبير مع موقع مدينة العصر الروماني وما سبقه. فمن المؤكد اليوم أن معبد جوبيتر دمشق الذي بني في العصر الروماني لإله المدينة هدد، بعد أن طابق الرومان بينه وبين جوبيتر، يقع تحت المسجد الأموي الكبير، وأن المعبد الآرامي الأصلي يقع تحت المعبد الروماني. كما يرجح الباحثون أن التل الذي يرتفع حوالي ستة أمتار، ويقع على مسافة 250م إلى الجنوب من القوس الروماني المعروف باسم باب شرقي، هو المكان الذي بنيت فيه القصور الملكية القديمة، وأنه بمثابة أوكروبوليس دمشق. وفيما عدا ذلك، فقد وصلنا أثر فني واحد فقط من العصور القديمة جميعها للمدينة، هو لوح حجري أبعاده 80 × 70سم، منقوش عليه صورة لسفينكس (أبو الهول)، عثر عليه مدعوما بجدار المعبد الروماني عام 1940، أثناء عمليات ترميم وإصلاحات في المسجد الأموي. ويستشف من الأسلوب الفني لتنفيذ العمل أنه ينتمي إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وهو العصر الذهبي لآرام دمشق.
6
يظهر الاسم «دمشق» لأول مرة في التاريخ حوالي عام 1450ق.م. وذلك في سجلات الفرعون تحوتمس الثالث الحربية، حيث ورد بصيغة تمسكو (تا - مس - كو). ثم ظهر بعد ذلك بقرن من الزمان في رسائل تل العمارنة، حيث ورد ثلاث مرات وبثلاث صيغ، هي تمشقي (تي - ما - اش - قي)، ودمشقا (دي - ماش - قا)، دومشقا (دو - ما - اش - قا). وفي السجلات الآشورية فيما بين القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد يرد اسم دمشق في معظم السجلات الآشورية على بلاد الشام، وذلك بثلاث صيغ، هي دمشقا (دي - ماش - قا)، ودمشقي (دي - ماش - قي)، ودمشقو (دي - ماش - قو). أما في النصوص الآرامية فيرد بصيغة واحدة، هي دمشق (د. م. ش. ق). وما زال علماء اللغات السامية مختلفين حول معنى الاسم وجذره السامي.
7
لم تكن دمشق مدينة مهمة خلال عصر البرونز الأخير (1600-1200ق .م.)، وهو العصر الذي بدأ فيه اسم المدينة بالظهور في الوثائق الكتابية. ورغم أن المدينة تنتمي إلى إقليم يمتد في الجنوب السوري اسمه أوبي (أو أوبو)، إلا أننا غير متأكدين من أن دمشق كانت عاصمة لهذا الإقليم، أو أنها كانت المدينة الرئيسية فيه. وجل ما وصلنا من معلومات عن إقليم أوبي وعن مدينة دمشق خلال عصر البرونز الأخير قد جاء في سياق معلوماتنا عن العلاقات بين القوى الكبرى الثلاث في ذلك الوقت، وهي مصر وميتاني وحاتي. فمع مطلع عصر البرونز الأخير أخذت مملكة ميتاني الحورية بالخروج من مناطقها الرئيسية في الشمال السوري والتوسع باتجاه أواسط سوريا. وفي الوقت نفسه تقريبا ابتدأ فراعنة الأسرة الثامنة عشرة في مصر حركة مد إمبريالي مستمر باتجاه آسيا الغربية. وبعد ذلك أخذ الملوك الحثيون بالضغط على ميتاني من الشمال حتى استطاعوا إزالتها أخيرا من طريقهم كقوة عظمى، ووقفوا وجها لوجه أمام مصر. وبين هذه القوى كانت مملكة قادش في سوريا الوسطى على نهر العاصي (قرب حمص الحالية) هي القوة الكبرى في سوريا، وتسيطر على الممالك الصغيرة جميعها في وسط وجنوب سوريا، ولكنها كانت موالية لمملكة ميتاني، وتعمل من خلال استراتيجيتها العسكرية والسياسية في المنطقة. وقد شنت مملكة قادش حملة كبيرة ضد الفرعون تحوتمس الثالث حوالي عام 1450ق.م.، يساعدها في ذلك عدد من جيوش الممالك الصغيرة في سوريا وفلسطين، والتقت قواتها بالقوات المصرية عند مدينة مجدو بفلسطين، في معركة حاسمة قررت نتيجتها مصير الوجود المصري في آسيا. ويذكر سجل حملة تحوتمس الثالث عن قوات التحالف السوري في مجدو أن الفرعون الذي قاد المعركة بنفسه قد هزم ملك قادش وحلفاءه هزيمة منكرة. وفي نهاية هذا النص الطويل والمفصل يرد ذكر أسماء الممالك والمدن المقهورة، وبينها مدينة دمشق، التي تذكر بشكل عابر ودون التوكيد على قوتها أو أهميتها. ويبدو أن إقليم أوبي قد بقي منذ ذلك الوقت ضمن المناطق التقليدية للنفوذ المصري.
8
مع التقدم في عصر البرونز الأخير، وازدياد صراع القوى العظمى على المناطق السورية، يكتسب إقليم أوبي أهمية متزايدة نظرا لوقوعه على حدود التوتر الفاصلة بين مناطق نفوذ تلك القوى. وقد بقي هذا الإقليم بمثابة الحد الشمالي التقليدي للنفوذ المصري في آسيا الغربية، وصولا إلى عصر العمارنة الذي حمل معه تغييرات أساسية في ميزان القوى، وذلك بسبب تزايد المد الإمبريالي الحثي، وتوسع أباطرة حاتي الجدد على حساب مملكة ميتاني. ومع اعتلاء الملك شوبيلوليماس عرش حاتي قام بحملته السورية الأولى، واستولى على أملاك ميتاني كلها في الشمال السوري، وجعل ملكها توشراتا تابعا له. وبعد عودته المظفرة من واشوكاني عاصمة ميتاني، استولى على المناطق الشمالية الغربية من سوريا، ثم هبط فاستولى على مملكة قطنة في سوريا الوسطى (شرقي حمص في موقع تل المشرفة)، ثم تابع جنوبا نحو أراضي إقليم أوبي، الذي يدعوه الحثيون أبينا. ولكن ملك قادش المجاورة لقطنة
صفحه نامشخص