آرام دمشق و اسرائیل: در تاریخ و تاریخ توراتی
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
ژانرها
في القرن العاشر قبل الميلاد ازدهر على حوض الفرات الأوسط وعلى حوض الخابور الأسفل - وهي المنطقة التي يدعوها التوراة بعبر النهر أو آرام النهرين - عدد من الممالك الآرامية القوية، التي صرنا اليوم نعرف الكثير عن تاريخها وحضارتها استنادا إلى النصوص الآشورية والآرامية، وإلى المعلومات الأركيولوجية القيمة التي أفادتنا بها التنقيبات الأثرية في مواقعها الرئيسية. فقد أقامت قبيلة بيت لاقي الآرامية على ضفاف الخابور الأسفل وعلى ضفاف الفرات منذ القرن الحادي عشر، وجعلوا لأنفسهم عاصمة في دور كتليمو. وتظهر الوثائق الكتابية التي اكتشفت في دور كتليمو أن مملكة بيت لاقي قد تمتعت بالحكم الذاتي تحت مظلة آشورية، وحكمها ملوك آراميون خاضعون اسميا للملك الآشوري. وجاورت مملكة بيت لاقي على الخابور مملكة آرامية أخرى هي مملكة بيت بحياني، التي أسسها الشيخ بحياني، الذي حقق استقلالا ذاتيا عن الآشوريين منذ وفاة تغلات فلاصر الأول عام 1074ق.م.، وجعل لنفسه عاصمة في جوزانا (تل حلف). وتطلعنا الوثائق الآرامية التي وجدت في جوزانا على أسماء عدد من ملوك بيت بحياني الذين حكموا بين القرن الحادي عشر والقرن العاشر قبل الميلاد، وهم على التوالي: بحياني وخديانو وكبارة وأبي سلامو. وإلى الشرق من مملكتي لاقي وبحياني قامت مملكة بيت عديني، أقوى الممالك الآرامية على الفرات، وشغلت المنطقة الممتدة من كركميش (جرابلس على الحدود التركية السورية) إلى مصب رافد البليخ. وقد بنى ملوك عديني عاصمة لهم في تل برسيب في مطلع القرن الحادي عشر، واستطاعوا طرد الحاميات الآشورية من أهم مدن المنطقة حوالي عام 1000ق.م. وقد كشفت التنقيبات الأثرية في العاصمة برسيب على نصوص آرامية مهمة تلقي ضوءا على تاريخ منطقة الفرات في القرن العاشر قبل الميلاد، وهو عصر مملكة داود وسليمان.
6
هذه هي أهم الممالك الآرامية التي قامت في «عبر النهر» أيام الفترة المفترضة لحكم الملك داود، فأي من هذه الممالك قد أنجد هدد عزر ملك صوبة وحارب إلى جانبه في ذلك الموقع المجهول المدعو حيلام؟ وأي من هذه الممالك القوية، التي كانت تقارع آشور، كان خاضعا لهدد عزر المجهول الهوية تاريخيا، ولمملكة صوبة التي لا نعرف عنها شيئا خارج النص التوراتي؟ لماذا لم يذكر محرر سفر صموئيل الثاني اسم أي من الممالك الآرامية التي انهزمت أمام جيش داود في موقعة حيلام؟ والأهم من ذلك كله؛ إذا كانت سلطة داود قد وصلت إلى الفرات، فلماذا لم يصطدم بالآشوريين؟ ولماذا خلا الخبر التوراتي من أي ذكر لهم ولتواجدهم في عبر النهر؟ ولماذا لم يرد ذكر لداود في الوثائق الآرامية التي اكتشفت في عواصم ومدن ممالك آرام في عبر النهر؟ إن الجواب على هذه التساؤلات بسيط جدا، فمحرر سفر صموئيل الثاني، من ناحية أولى، لم يكن بين يديه أية معلومات موثقة عن فترة القرن العاشر قبل الميلاد، ومن ناحية ثانية، فإن هذا المحرر لم يكن يقصد إلى تقديم نص تاريخي موثق عن حروب داود، بل إلى تزيين سيرة هذا الملك الملحمي بأخبار حروب جمعها من الذاكرة القبلية للمنطقة، وصاغها بتعابير عامة لا تؤدي معلومة تاريخية محددة.
ولكي أوضح للقارئ مدى ابتعاد أخبار حروب داود عن معايير النص التاريخي، وانتمائها إلى جنس الفولكلور الشعبي أكثر من انتمائها إلى جنس الكتابة التاريخية ؛ يكفي أن أضع أمامه أي نص من النصوص التاريخية لثقافات الشرق القديم لغرض المقارنة. لننظر على سبيل المثال النص الآتي من حوليات الملك آشور ناصر بال الثاني (883-859ق.م.) الذي يصف بدقة مسار حملته على بلاد الشام: «غادرت بلاد بيت عديني، وعبرت الفرات في ذروة فيضانه على قوارب مصنوعة من الجلود إلى كركميش، حيث تلقيت جزية ملك الحثيين (تعداد للوزنات الذهبية والمواد الثمينة الأخرى المقدمة). ملوك البلاد المجاورة جميعا أتوا إلي فأمسكوا قدمي. أخذت منهم رهائن مشوا معي إلى لبنان مشكلين طليعة جيشي. غادرت كركميش متحركا على الطريق الذي يقع بين جبال منزيغاني وهامورجا، تاركا بلاد أهانو على يساري (مملكة آرامية معروفة). تقدمت نحو مدينة حزازو (مدينة أعزاز الحالية) التابعة للوبارنو ملك حطينة (مملكة آرامية معروفة في شمال حلب)، حيث تلقيت الذهب وعباءات الكتان، ثم تابعت فعبرت نهر عبري (نهر عفرين) حيث قضيت الليل، ثم غادرت شاطئ نهر عبري نحو مدينة كونولو المقر الملكي للوبارنو ملك حطينة، الذي وقع على قدمي لإنقاذ حياته. فأخذت منه ... (تعداد لأصناف الجزية المدفوعة). غادرت كونولو وعبرت نهر العاصي حيث قضيت الليل. ثم تحركت آخذا الطريق بين جبل يراكي وجبل يعتودي (حارم والأقرع). ثم عبرت جبل ... لقضاء الليل عند نهر سنجارا (النهر الكبير الشمالي) ثم تابعت السير ... إلخ.»
7
إن أي مقارنة بين هذا النص الآشوري ونص صموئيل الثاني الذي يستعمل تعابير مثل: «وضرب داود هدد عزر بن رحوب حين ذهب ليرد سلطته عند نهر الفرات»، أو «فلما رأى آرام أنهم انكسروا أمام إسرائيل اجتمعوا معا. وأرسل هدد عزر فأبرز آرام، الذي في عبر النهر» تظهر لنا الفرق الواضح بين النص الموثق والنص الأخيولي الذي يفتقر إلى أدنى مقومات الكتابة التاريخية.
إن داود - الذي يؤكد المؤرخون التوراتيون بناءه لإمبراطورية كبيرة امتدت من الفرات إلى البحر المتوسط عبر مناطق وسط وجنوب سوريا - ليس في حقيقة الأمر إلا شبحا تاريخيا، لم يعد يؤرق إلا الحلقات الأكاديمية المحافظة التي ما زالت تبحث، وتأمل، في الحصول على وثيقة واحدة تعطي تأييدا للرواية التوراتية. وقد وجد هؤلاء ضالتهم المنشودة في نقش قصير ومشوه عثر عليه حديثا المنقب الإسرائيلي أفراهام بيران في موقع دان بشمال فلسطين، قرئت عليه كلمة واحدة واضحة تتألف من ستة أحرف، هي «ب ي ت دود»، وفسرت على أنها «بيت داود»، وهو التعبير المستعمل في النص التوراتي للإشارة إلى أسرة أو سلالة داود. وقد أثارت هذه القراءة نقاشا بين الاختصاصيين، وتم تفنيدها بشكل علمي من قبل الباحث فيليب ر. ديفس، الذي جادل في أن الكلمة تدل على اسم مكان وليس على اسم علم، وإني لا أرى نفعا من إيراد تفاصيل هذا الجدال؛ لأن فيه مضيعة لوقت القارئ. ويمكن للمهتم مراجعة مجلة
Biblical Archaeology
الأعداد آذار/نيسان 1994 وتموز/آب 1994 وآذار/نيسان 1995. (3) سفر الملوك الأول والعصر الذهبي لمملكة سليمان «وشاخ الملك داود، تقدم في الأيام. وكانوا يدثرونه بالثياب فلم يدفأ. فقال له عبيده: ليفتشوا لسيدنا الملك على فتاة عذراء، فلتقف أمام الملك ولتكن له حاضنة، ولتضطجع في حضنك فيدفأ سيدنا الملك. ففتشوا على فتاة جميلة في جميع تخوم إسرائيل، فوجدوا أبيشج الشمونية فجاءوا بها إلى الملك. وكانت الفتاة جميلة جدا، فكانت حاضنة للملك» (الملوك الأول، 1: 1-4). وبينما كان داود يدفأ في أحضان الفتاة الصغيرة من البرداء، انفجر الصراع على العرش بين أبنائه. فقد ابتدأ أدونيا - وهو الأخ الأصغر لأبشالوم صاحب الانقلاب الأول، واسم أمه حجيث - بالدعوة لنفسه كولي للعهد مستغلا حالة التسيب في الحكم، وأعد مركبات وفرسانا، وكان خمسون رجلا يجرون أمامه كلما خرج. وقد وقف إلى جانبه أبيثار الكاهن ويوآب القائد ورهط قوي من رجال داود، بينما عارضه ناثان النبي ورهط آخر من رجال داود. وعندما استفحل أمر أدونيا، وداود يغض الطرف عن نشاطاته، جاء ناثان النبي إلى بتشبع أم سليمان قائلا: «أما سمعت أن أدونيا ابن حجيث قد ملك وسيدنا داود لا يعرف؟ اذهبي وادخلي إلى الملك داود وقولي له: أما حلفت أنت يا سيدي الملك لأمتك قائلا: إن سليمان ابنك يملك بعدي وهو يجلس على كرسيي، فلماذا ملك أدونيا؟ وفيما أنت متكلمة هناك معه أدخل أنا وراءك وأكمل كلامك.» فعملت بتشبع بنصيحة ناثان واستطاع الاثنان إقناع داود، الذي أعطى أوامره بأن يمسح سليمان ملكا: «خذوا معكم عبيد سيدكم وأركبوا سليمان ابني على البغلة التي لي وانزلوا به إلى جيحون، وليمسحه هناك صادوق الكاهن وناثان النبي ملكا على إسرائيل. واضربوا بالبوق وقولوا: ليحي الملك سليمان.» وفي ذلك الوقت كان أدونيا يقيم وليمة لأنصاره، فسمعوا صوت ضجيج وهتاف، وجاء من أخبرهم بأن سليمان قد ملك، فخاف أدونيا من بطش سليمان فقام وانطلق وتمسك بقرون المذبح، وأرسل إلى سليمان أن يحلف له بألا يمسه بسوء «فأرسل الملك سليمان فأنزلوه عن المذبح فأتى وسجد للملك سليمان. فقال له سليمان: اذهب إلى بيتك» (الملوك الأول، 1: 1-53).
ولم يطل الوقت بداود حتى مات، بعد أن ملك أربعين سنة. وكان أول عمل يفتتح به سليمان عهده الملكي هو قتل أخيه أدونيا، وساعده الأيمن يوآب قائد جيش داود. فأرسل سليمان المدعو بنياهو بن يهوداع ساعده الأيمن وصديقه، فضرب أدونيا بالسيف. ولما سمع يوآب بالخبر التجأ إلى خيمة الرب وتمسك بقرون المذبح: «فأرسل سليمان بنياهو قائلا: اذهب ابطش به. فدخل بنياهو إلى خيمة الرب وقال له: هكذا يقول الملك، اخرج. فقال: كلا ولكنني هنا أموت. فرد بنياهو الجواب على الملك قائلا: هكذا تكلم يوآب وهكذا جاوبني. فقال له الملك: افعل كما تكلم وابطش به وادفنه وأزل عني الدم الزكي الذي سفكه يوآب.» فصعد بنياهو وضرب يوآب بالسيف وهو في خيمة الرب متمسكا بقرون المذبح، وعين سليمان بنياهو قائدا على الجيش بدلا من يوآب (الملوك الأول، 2).
صفحه نامشخص