آرام دمشق و اسرائیل: در تاریخ و تاریخ توراتی
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
ژانرها
وعندما يقطع داود رأس جليات يقول النص: «وأخذ داود رأس الفلسطيني وأتى به إلى أورشليم ووضع أدواته في خيمته.» ونحن نعرف من آخر ذكر لأورشليم أنها ما زالت بيد اليبوسيين الكنعانيين، وذلك في الموضع الذي أشرنا إليه في حينه في سفر القضاة، والذي يصف أورشليم بأنها مدينة غريبة لا يوجد فيها أحد من بني إسرائيل (القضاة، 19: 11-12) ... ثم ماذا عن خيمة داود تلك التي يضع فيها أدواته، والتي يبدو من المقطع أعلاه أنها عند أورشليم؟ ومتى كان للفتى داود - الذي ما زال يرعى غنم أبيه أو يضرب العود ويحمل أسلحة شاول - خيمة في أورشليم؟ إن المقطع كله يبدو وكأنه منتزع من سياق قصة أخرى ومدمج في هذه القصة، وربما كان ينتمي إلى قصص داود اللاحقة بعد أن صار ملكا وجعل من أورشليم عاصمة له.
نكتفي بهذا القدر اللازم من النقد النصي لسفر صموئيل الأول، دون الدخول في كثير من التفاصيل الصغيرة، التي يمكن لبحث آخر مكرس للنقد النصي أن يستعرضها، وننتقل إلى سفر صموئيل الثاني الذي يبسط أمامنا أخبار فترة العصر الذهبي لإسرائيل التوراتية. أما عن النقد التاريخي والأركيولوجي لسفر صموئيل الأول، فسوف يأتي ضمن النقد التاريخي والأركيولوجي لأخبار المملكة الموحدة، لأن أخبار شاول لم تكن سوى مدخل ومقدمة لأخبار داود وسليمان. (2) صموئيل الثاني ومملكة داود
بعد أن عرف داود بنبأ موت شاول وأولاده، رثاه ورثى ابنه يوناثان بمرثية طويلة يقول فيها: «الظبي يا إسرائيل مقتول على شوامخك. كيف سقط الجبابرة. لا تخبروا في جت، لا تبشروا في أسواق أشقلون؛ لئلا تفرح بنات الفلسطينيين، لئلا تشمت بنات الغلف. يا جبال جلبوع، لا يكن طل ولا مطر عليكن ولا حقول تقدمات، لأنه هناك طرح مجن الجبابرة مجن شاول بلا مسح بالدهن. من دم القتلى من شحم الجبابرة لم ترجع قوس يوناثان إلى الوراء، وسيف شاول لم يرجع خائبا. شاول ويوناثان المحبوبان والحلوان في حياتهما لم يفترقا في موتهما. أخف من النسور وأشد من الأسود. يا بنات إسرائيل ابكين شاول ... إلخ» (صموئيل الثاني، 1).
ثم رحل داود إلى حبرون في الجنوب وأقام هناك. وفي حبرون جاء إليه رجال يهوذا ومسحوه ملكا على بيت يهوذا. وأما القبائل الشمالية، التي تدعى في النص بإسرائيل تمييزا لها عن يهوذا، فقد ملك عليها ابن شاول المدعو إشبوشت: «وأما أبينير بن نير، رئيس جيش شاول، فأخذ إشبوشت بن شاول وعبر به إلى محنايم وجعله ملكا على كل إسرائيل، وكان إشبوشت بن شاول ابن أربعين سنة حين ملك على إسرائيل، وملك سنتين.» وبعد ذلك اشتعلت الحرب بين إسرائيل ويهوذا، ولم تنته إلا بموت إشبوشت ملك إسرائيل غيلة على يد اثنين من جماعته طمعا في مكافأة من داود: «دخلا عند حر النهار إلى بيت إشبوشت وهو نائم نومة الظهيرة، فدخلا في وسط البيت ليأخذا حنطة، فعند دخولهما البيت كان هو مضطجعا في سريره في مخدع نومه، فضرباه وقطعا رأسه، وأخذا رأسه وسارا الليل كله، وأتيا برأس إشبوشت إلى داود إلى حبرون، وقالا للملك: هو ذا رأس إشبوشت بن شاول عدوك الذي كان يطلب نفسك ... فأمر داود الغلمان فقتلوهما، وقطعوا أيديهما وأرجلهما، وعلقوهما على البركة في حبرون. وأما رأس إشبوشت فأخذوه ودفنوه.» فأتى رجال إسرائيل إلى داود في حبرون وملكوه على إسرائيل أيضا. وبذلك ينتقل الملك إلى يهوذا (صموئيل الثاني، 1-5).
وكان أول عمل لداود بعد أن صار رأسا للمملكة الجديدة هو الاستيلاء على أورشليم، التي جعلها عاصمة له بعد أن أقام في حبرون حوالي سبع السنوات. وكانت أورشليم حتى ذلك الوقت مدينة كنعانية يسكنها اليبوسيون. وبعد استقراره في العاصمة الجديدة أرسل إليه حيرام الفينيقي ملك صور خشب أرز ونجارين وبنائين فبنوا لداود بيتا، وبدأ داود يعيش عيشة الملوك المترفة، وتسرى بنساء من أورشليم ولدن له بنين وبنات. وكانت أول حرب يخوضها هي حرب دفاعية ضد الفلسطينيين الذين بادروا لقتاله بعد أن رأوا تزايد قوته، فضربهم وطاردهم إلى تخومهم. وبعد ذلك جاء داود بتابوت العهد وأدخله إلى أورشليم في موكب حافل وهو يرقص أمامه رقصا طقوسيا حتى دخل المدينة، حيث وضع التابوت في خيمة. ولكن الرب لم يكن راضيا عن مكان إقامته، فتكلم مع ناثان النبي قائلا: «اذهب وقل لعبدي داود: هكذا قال الرب: أأنت تبني لي بيتا لسكناي؟ لأني لم أسكن في بيت منذ يوم أصعدت بني إسرائيل من مصر إلى هذا اليوم، بل كنت أسير في خيمة وفي مسكن» (صموئيل الثاني، 5-7). غير أن بناء بيت للرب كان مشروعا يفوق إمكانيات داود المتواضعة، وكان على الرب أن ينتظر مجيء سليمان لينجز هذه المهمة.
بعد أن أمن داود جانب الفلسطينيين المهزومين، توجه إلى شرقي الأردن فضرب موآب وصار الموآبيون له عبيدا. ثم توجه شمالا نحو مملكة صوبة الآرامية التي تعاضدها دمشق: «ضرب داود هدد عزر بن رحوب ملك صوبة حين ذهب ليرد سلطته عند نهر الفرات. فأخذ داود منه ألفا وسبعمائة فارس وعشرين ألف رجل. وعرقب داود جميع خيل المركبات وأبقى منها مائة مركبة. فجاء آرام دمشق لنجدة هدد عزر ملك صوبة، فضرب داود من آرام اثنين وعشرين ألف رجل. وجعل داود محافظين في آرام، وصار الآراميون لداود عبيدا يقدمون الهدايا. وكان الرب يخلص داود حيثما توجه. وأخذ داود أتراس الذهب، التي كانت على عبيد هدد عزر وأتى بها إلى أورشليم، ومن باطح ومن بيروثاي مدينتي هدد عزر أخذ الملك داود نحاسا كثيرا. وسمع توعي ملك حماة أن داود قد ضرب كل جيش هدد عزر، فأرسل توعي يورام ابنه إلى الملك ليسأل عن سلامته ويباركه، لأن هدد عزر كانت له حروب مع توعي. وكان بيده آنية من فضة، وآنية من ذهب، وآنية من نحاس. وهذه أيضا قدسها للرب الملك داود، مع الفضة والذهب الذي قدسه من جميع الشعوب الذين أخضعهم؛ من آرام ومن موآب ومن بني عمون ومن الفلسطينيين ومن عماليق ومن غنيمة هدد عزر ملك صوبة ...» (صموئيل الثاني، 8).
ورغم أن مملكة عمون في شرقي الأردن تظهر في النص السابق بين الممالك التي تم إخضاعها، إلا أننا نجدها في الإصحاح الذي يلي مملكة مستقلة، وعلى علاقات ودية مع داود إلى أن مات ملكها المدعو ناحاش، وملك ابنه حانون بدلا عنه. فأرسل داود رسلا من قبله لتعزية حانون بوفاة أبيه، ولكن حانون شك في أمر الرسل وظنهم جواسيس لداود، فعاملهم معاملة سيئة، وقص أنصاف لحاهم وثيابهم إلى وسطهم وأعادهم إلى داود. ثم تهيأ للحرب واستأجر مرتزقة لعونه من آرام صوبة وغيرها من الدويلات المجاورة: «ولما رأى بنو عمون أنهم قد أنتنوا عند داود، أرسل بنو عمون واستأجروا آرام بيت رحوب وآرام صوبة عشرين ألف رجل، ومن معكة ألف رجل، ورجال طوب اثني عشر ألف رجل. فلما سمع داود أرسل يوآب وكل جيش الجبابرة.» ويحرز يوآب قائد جيش داود نصرا على بني عمون وعلى الآراميين المستأجرين لهم. ثم لا يستثمر نصره بمتابعة العمونيين المتراجعين إلى مدينتهم، أو ملاحقة الآراميين الهاربين، بل يقفل عائدا إلى أورشليم. ولكن هدد عزر يستجمع قواه مجددا ويأتي بآراميين لمساعدته من وراء الفرات: «ولما رأى آرام أنهم انكسروا أمام إسرائيل اجتمعوا معا. وأرسل هدد عزر فأبرز آرام الذي في عبر النهر، فأتوا إلى حيلام وأمامهم شوبك رئيس جيش هدد عزر. ولما أخبر داود جمع كل إسرائيل وعبر الأردن وجاء إلى حيلام، فاصطف آرام للقاء داود وحاربوه. وهرب آرام أمام إسرائيل، وقتل داود من آرام سبعمائة مركبة وأربعين ألف فارس، وضرب شوبك رئيس جيشه فمات هناك» (صموئيل الثاني، 10).
عاد داود إلى أورشليم. وبعد سنة كاملة أرسل قائده يوآب وحاصر مدينة ربة عمون عاصمة العمونيين وأطال الحصار. أما داود فقد استسلم لحياة الرغد في أورشليم. وفي إحدى الأمسيات كان يتمشى على سطح بيته فرأى امرأة جميلة تستحم وراقت في عينيه، فسأل عنها فقيل: هي بتشبع امرأة أوريا الحثي، وكان جنديا يحارب في جيش يوآب. فأرسل داود رسلا وأخذها فدخلت إليه واضطجع معها ثم رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود، فكتب داود رسالة إلى يوآب يقول فيها: «اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت.» فمات أوريا، وأرسل داود إلى امرأة أوريا وضمها إلى بيته فصارت له امرأة. أما يوآب فقد أحكم الحصار على مدينة ربة عمون وآلت إلى السقوط بيده، فأرسل إلى داود طالبا منه الحضور ليأخذ المدينة بيده. فجمع داود كل الشعب وذهب إلى ربة عمون وأخذها وقتل جميع أهلها. ولكن الرب كره ما فعله داود بأخذه زوجة أوريا الحثي وقتله الرجل بسببها، فأرسل النبي ناثان الذي قال لداود: «كان رجلان في مدينة واحدة. واحد منهما غني والآخر فقير. وكان للغني غنم وبقر كثيرة جدا، وأما الفقير فلم يكن له شيء إلا نعجة واحدة صغيرة قد اقتناها ورباها وكبرت معه ومع بنيه ... فجاء ضيف إلى الرجل الغني فعفا أن يأخذ من غنمه ومن بقره ليهيئ للضيف الذي جاء إليه، فأخذ نعجة الرجل الفقير وهيأ للرجل الذي جاء إليه. فحمي غضب داود على الرجل جدا وقال لناثان: حي هو الرب، إنه يقتل الرجل الفاعل ذلك، ويرد النعجة أربعة أضعاف ... فقال ناثان لداود: أنت هو الرجل» (صموئيل الثاني، 11 و12).
وحدث بعد ذلك أنه كان لابن داود المدعو أبشالوم أخت جميلة اسمها ثامار. فأحبها ابن داود الآخر المدعو أمنون، وكان أخا غير شقيق لأبشالوم، وأسقم أمنون حب أخته ثامار حتى لزم بيته وفراشه. وأخيرا فكر بحيلة يستدرج بها أخته إلى فراشه «فاضطجع أمنون وتمارض، فجاء الملك ليراه فقال أمنون: دع ثامار أختي فتأتي وتصنع أمامي كعكتين فآكل من يدها ... فذهبت ثامار إلى بيت أمنون أخيها وهو مضطجع ... وقدمت له ليأكل، فأمسكها وقال لها: تعالي اضطجعي معي يا أختي. فقالت له: لا يا أخي، لا تذلني ... فلم يشأ أن يسمع لصوتها، بل تمكن منها وقهرها واضطجع معها.» فجعلت ثامار رمادا على رأسها ومزقت ثوبها وراحت تصرخ، فجاء إليها أخوها أبشالوم وأسكتها وقادها إلى بيته مبيتا خطة هادئة للانتقام من أمنون. بعد مدة دعا أبشالوم أمنون وبقية إخوته أولاد داود إلى وليمة، وأوصى غلمانه أن يضربوا أمنون بعد أن تلعب الخمرة برأسه. ففعل غلمان أبشالوم بأمنون كما أمرهم وقتلوه. فقام جميع بني الملك وركبوا كل واحد على بغلة وهربوا. أما أبشالوم فقد توارى عن الأنظار ريثما يتعزى داود عن ابنه القتيل (صموئيل الثاني، 13).
وكان أبشالوم صاحب مطامح . فصار يستميل قلوب الناس ويجلس للقضاء بينهم قبل وصولهم إلى باب الملك، فأحبه الشعب ومال إليه. وعندما أحس أن الوقت قد حان للانقلاب على أبيه أقام في مدينة حبرون، وجمع حوله الأتباع والمؤيدين، وأرسل دعاته بشكل خاص إلى قبائل إسرائيل في الشمال التي بايعت داود مكرهة بعد قتل أشبوشت، واتفق معهم على نزع طاعة داود لدى سماعهم أن الأبواق قد ضربت في حبرون ونودي في الأسواق: قد ملك أبشالوم. «فأتى مخبر إلى داود قائلا: إن قلوب رجال إسرائيل صارت وراء أبشالوم. فقال داود لجميع عبيده الذين معه في أورشليم: قوموا بنا نهرب لأنه ليس لنا نجاة من وجه أبشالوم. أسرعوا للذهاب لئلا يبادر ويدركنا وينزل بنا الشر، ويضرب المدينة بحد السيف. فخرج الملك وجميع بيته وراءه، وكل الشعب في إثره ... وأما داود فصعد في مصعد جبل الزيتون. كان يصعد باكيا ورأسه مغطى ويمشي حافيا، وجميع الشعب الذين معه غطوا كل واحد رأسه، وكانوا يصعدون وهم يبكون.» ثم عبر داود ومن معه نهر الأردن إلى الجهة الأخرى. أما أبشالوم فقد دخل أورشليم مدعوما من قبائل إسرائيل. ولكن مشيريه نصحوه باللحاق بداود والقضاء على قوته العسكرية في شرقي الأردن: «فعبر أبشالوم الأردن هو وجميع رجال إسرائيل معه ... ونزل إسرائيل وأبشالوم في أرض جلعاد. وهنا وجد داود أن المواجهة بينه وبين ابنه صارت محتومة، فتجهز للحرب وقسم جيشه ثلاث فرق، عين على كل فرقة قائدا، وأوصاهم جميعا ألا يمسوا ابنه أبشالوم بسوء. «وخرج الشعب إلى الحقل للقاء إسرائيل. وكان القتال في وعر أفرايم. فانكسر هناك شعب إسرائيل أمام عبيد داود، وكانت هناك مقتلة عظيمة.» ولم يحفظ القائد يوآب وصية داود فضرب أبشالوم بثلاثة سهام وهو عالق بأغصان شجرة بطم، فقتله. وبعد أن أقام داود مناحة على ابنه القتيل قفل عائدا إلى أورشليم. أما قبائل إسرائيل فقد مشت بعد أبشالوم وراء قائد جديد: «فصعد كل رجال إسرائيل من وراء داود إلى وراء شبع بن بكري. وأما رجال يهوذا فلازموا ملكهم من الأردن إلى أورشليم .» وقبل أن تستقر الأمور لشبع بن بكري أرسل داود وراءه قائده يوآب فتعقبه وحاصره في مدينة آبل بيت معكة. ولما اشتد الحصار على أهل المدينة اتفقوا مع يوآب على تسليمه رأس شبع بن بكري مقابل فك الحصار عن مدينتهم، فارتد يوآب برأس شبع وانتهت الفتنة» (صموئيل الثاني، 14-20). «وكان جوع في أيام داود ثلاث سنين، سنة بعد سنة، فطلب داود وجه الرب.» فقال له الرب إنه غاضب على الأرض لأن الملك شاول كان قد ضرب أهل مدينة جبعون بعد العهد الذي كان يشوع قد قطعه معهم منذ القدم (وهذه الحادثة غير واردة في أخبار شاول). فجاء داود إلى الجبعونيين وسألهم كيف يستطيع التكفير عن خطيئة شاول. فطلب الجبعونيون أن يسلمهم داود سبعة من بني شاول يقدمونهم قربانا للرب. فأخذ داود ولدي شاول من زوجته رصفة، وخمسة أولاد لميكال ابنة شاول وسلمهم إلى يد الجبعونيين «فصلبوهم على الجبل أمام الرب، فسقط السبعة معا وقتلوا في أيام الحصاد ... وبعد ذلك استجاب الله من أجل الأرض» (صموئيل الثاني، 21).
صفحه نامشخص