آرام دمشق و اسرائیل: در تاریخ و تاریخ توراتی
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
ژانرها
العبودية في مصر، والخروج
(1) استطراد حول يوسف
تمثل شخصية يوسف نقطة الاتصال بين عصر الآباء وعصر العبودية في مصر والخروج منها؛ فيوسف قد قضى شطرا من حياته في كنعان، والشطر الآخر في مصر، وهو الذي جاء بأبيه وإخوته وأولادهم إلى مصر، التي صاروا فيها إلى العبودية بعد مماته. فقصة يوسف لا تنتمي إلى قصص الآباء ولا إلى ملحمة الخروج، وقد تم التقاطها بعناية من قبل المحرر التوراتي لملاءمتها التامة للربط بين تقليدين مستقلين كل الاستقلال.
يتضح للوهلة الأولى مدى خصوصية قصة يوسف في نهاية سفر التكوين، وغرابتها عن بقية قصص الآباء، وذلك في أسلوبها الأدبي وعقدتها القصصية وجميع تفاصيلها. تبدي القصة عناصر شائعة ومألوفة في الأدب الشعبي شرقا وغربا، وذلك مثل: (1) محبة الأب للابن الأصغر وتفضيله على بقية إخوته. (2) مكائد الإخوة والأخوات للابن الأصغر أو البنت الصغرى. (3) النجاة من المكائد المدبرة بتدخل قوة ما ورائية من نوع ما، كالجن والسحرة والآلهة ... إلخ. (4) اغتراب الشاب المستضعف في أرضه، ونجاحه في أرض غربته، ثم عودته مظفرا إلى أهله، الذين يخفقون في التعرف عليه للوهلة الأولى، ورفعه لهم من حياة الفقر إلى حياة الجاه والعز. (5) إغواء الشاب الوسيم المستقيم من قبل امرأة فاتنة، هي زوجة الأب أحيانا، أو زوجة ولي النعمة أحيانا أخرى، ثم رفضه للغواية وافتراء المرأة عليه، وما يتبع ذلك من نبذه واضطهاده، ومروره بفترة بؤس وشقاء قبل أن تظهر براءته. (6) هناك عنصر ميثولوجي يضاف إلى هذه العناصر، وهو فترة السنوات السبع الخصيبة التي تليها فترة سنوات سبع عجاف، مما هو معروف في أدبيات مصر وبلاد الرافدين، وبشكل خاص في أدبيات أوغاريت الكنعانية.
فالقصة، والحالة هذه، تنتمي إلى الرومانس أكثر من انتمائها إلى التاريخ الموثق. ويبدو للقارئ المتمعن بالتفاصيل أن محرر القصة لم يكن يملك معرفة وثيقة بطبيعة مصر وأحوالها العامة وثقافتها؛ فاسم الفرعون الذي استوزر يوسف غير مذكور، ولا يوجد في تفاصيل الأحداث إشارات مباشرة يمكن أن تساعد على وضع القصة ضمن فترة معروفة من تاريخ مصر ، أما الإشارات غير المباشرة فتدل على أن القصة قد كتبت في زمن متأخر لا يتجاوز الألف الأول قبل الميلاد. وهذا ما يتناقض مع الرأي الشائع الذي يرجع أحداث قصة يوسف إلى عصر الهكسوس (1730-1570ق.م.) عندما اعتلى عرش مصر ملوك آسيويون. فلقب فرعون، الذي يستخدمه النص التوراتي، لم يستخدم في مصر إلا بعد طرد الهكسوس وتأسيس الأسرة الثامنة عشرة، وكان أول من تلقب به تحوتمس الثالث (1490-1436ق.م.) وكلمة «فرعون» تلفظ بالمصرية «برعو»، وتعني «البيت العظيم». أما بقية الألقاب، التي يعزوها النص التوراتي للشخصيات المصرية الرسمية، وأسماء مناصبهم؛ فإنها تشبه الألقاب والمناصب الرسمية المعروفة لنا من سوريا وفلسطين أكثر من شبهها بمتوازياتها في مصر. والأرض التي أسكن فيها يوسف إخوته وأهلهم، والتي دعاها أرض رعمسيس، قد اكتسبت اسمها في عصر الفرعون رمسيس (أو رعمسيس) الثاني (1290-1224ق.م.) الذي بنى مدينة له في الدلتا أطلق عليها اسم بي-رمسيس. وأسماء العلم المصرية الواردة في القصة لا ترد في النصوص المصرية قبل القرن الحادي عشر قبل الميلاد؛ فاسم زوجة يوسف المصرية المدعوة «أسنات» غير موثق قبل أواسط حكم الأسرة العشرين (حوالي 1180ق.م.)، واسم أبيها المدعو فوطي فارع غير موثق قبل أواسط حكم الأسرة الحادية والعشرين (حوالي 1000ق.م.) ويبدو أن اسم فوطيفار ولي نعمة يوسف ليس إلا شكلا مختصرا من الاسم فوطي فارع. أما الاسم المصري ليوسف، وهو «صفنات فعنيح»، فله أشباه في الأسماء المصرية الموثقة في فترة حكم الأسرة الحادية والعشرين. وهناك ملاحظة طريفة تدل إما على جهل المحرر بالأحوال المناخية والطبيعية في مصر، أو على محاولته نقلها إلى أجواء سورية محلية. فعندما يقص فرعون حلمه على يوسف يتحدث عن الريح الشرقية التي تلفح السنابل: «هو ذا سبع سنابل طالعة في ساق واحد، ممتلئة وحسنة. ثم هو ذا سبع سنابل يابسة رقيقة ملفوحة بالريح الشرقية، نابتة وراءها ...» (تك، 41: 22-23). ومن المعروف أن الريح التي تلفح السنابل في مصر تهب من الجنوب لا من الشرق كما هو الحال في سوريا.
1
إن هذه المسائل، التي يثيرها النقد النصي لقصة يوسف، تعطينا المسوغ الكافي للقول بثقة بأن القصة تعود في أصولها إلى زمن ما غير محدد في الألف الأول قبل الميلاد، وأن المحرر التوراتي قد اعتمد عدة أشكال للقصة، بعضها سوري وآخر مصري، وأضاف إلى عناصرها الخيالية عناصر أخرى واقعية مستمدة من أحداث معروفة قريبة إليه؛ ففي النصوص المصرية
2
هناك ذكر لأكثر من شخصية آسيوية توصلت إلى مناصب عالية في الدولة، بين هؤلاء رجل اسمه عرشو استلم زمام السلطة في مصر لفترة قصيرة إبان فترة الفوضى التي جاءت في نهاية حكم الأسرة التاسعة عشرة، حوالي 1200ق.م. إن ربط قصة يوسف بعصر الهكسوس - مما كان شائعا بين الباحثين - لم يعد مقبولا الآن، والقصة برمتها عبارة عن أخيولة أدبية معلقة في فضاء تاريخي، استخدمها المحرر التوراتي بكل براعة من أجل إغلاق عصر الآباء، وافتتاح عصر العبودية في مصر، الذي مهد لملحمة الخروج. (2) الخلفية التاريخية للخروج
تم طرد الهكسوس من مصر حوالي عام 1570ق.م. على يد القائد العسكري أحموس، الذي حكم فيما بين 1570 و1545ق.م. وأسس الأسرة الثامنة عشرة، فاتحة المملكة الحديثة في التاريخ المصري التي دامت خمسة قرون (حتى عام 1078ق.م.) وقد خلف أحموس عدد من الملوك يحملون اسم تحوتمس. وسع تحوتمس الأول نفوذ مصر السياسي جنوبا حتى الشلال الرابع في أعماق أفريقيا، وبذلك أصبح وادي النيل بأكمله تحت السيطرة المصرية. أما باتجاه آسيا الغربية فقد وصل تحوتمس الأول في إحدى حملاته إلى نهر الفرات، على ما يذكره في أحد سجلاته الحربية. وقد كانت هذه الحملة ذات طابع استعراضي بالدرجة الأولى، وهدفت مصر من ورائها إلى الإعلان عن دخولها حلبة السياسة الدولية إلى جانب القوتين العظميين في ذلك الوقت؛ مملكة ميتاني ومملكة حاتي، وإشعارهما بأن لها مصالح حيوية في آسيا الغربية مثل ما لهما.
صفحه نامشخص