Arab Thought in the Renaissance Era
الفكر العربي في عصر النهضة
ناشر
دار النهار للنشر بيروت
ژانرها
الأمانة لأقواله وأفعاله؛ أما إجماع الفقهاء اللاحقين، فمن غير الممكن أن يكون معصومًا.
من السهل أن يعتبر هذا القول مجرد تبرير للحالة الراهنة. إلا أنه كان بالواقع ينطوي، لدي ابن تيمية، على شيء آخر أيضًا. نعم، لقد ضمنت عقيدته شرعية حكم المماليك، إلا أنها انطوت، في الوقت نفسه، على ما يجب أن يتقيد به من قواعد. فالحكم الصالح، في نظره، يتوقف على تحالف بين الأمراء، وهم الزعماء السياسيون والعسكريون، وبين العلماء، وهم شراح الشريعة. إن إعلان هذه النظرية في دولة المماليك، حيث كان الأمراء قوقازيين أو أتراكًا، بينما كان العلماء ينتمون خصوصًا إلى اللغة والثقافة العربيتين، كان بمثابة دعوة إلى عدم حصر الحكم في يد الأجانب دون سواهم. لكن ابن تيمية لم يكن يقصد دولة المماليك وحدها، بل كان يفكر على نطاق أوسع، معتبرًا أن الحكم في أي دولة إسلامية يجب أن لا يحصر في يد أي فئة خاصة، إذ يجب أن يكون لمتطلبات العدل والوحدة الأسبقية على متطلبات أي روابط طبيعية، كالصداقة أو العصبية القبلية أو أواصر الرحم. وفي ذلك يقول ابن تيمية: «فيجب على كل من ولي شيئًا من أمر المسلمين ... أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع أصلح من يقدر عليه ... فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره، لأجل قرابة بينهما، أو ولاء عتاقة أو صداقة، أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس كالعربية والفارسية والتركية والرومية، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق، أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين» (١٦). ثم يقول: «وكل ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن، من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة، فهو من عزاء الجاهلية» (١٧).
كانت أباطيل الوثنية وأخطار العصبية أكثر من مجرد أفكار نظرية لدى الذين كتبوا في زمن اشتد فيه ضغط البدو على الأراضي
1 / 35