ما جيل من الناس بالقياس إلى أجيال الموتى التي لا تحصى؟ وما إرادتنا التي لا تعمر أكثر من يوم أمام إرادتهم التي مرت عليها قرون متطاولة؟ هل من سبيل إلى الثورة عليهم؟ بل نحن لم نؤت من الوقت ما يكفي لأن نعصيهم. ***
من الأمور المشاهدة أنه لا شيء أهون على الناس من الموت في سبيل ألفاظ لا معنى لها، وهذا ما عناه «أجاكس»؛ إذ قال «نقلا عن هوميروس»: «كنت في صباي أحسب أن العمل أقوى من القول، فإذا بي أعلم اليوم أن القول أقوى ...» قاله أجاكس بن أويلي. ***
أكثر ما يتنازع الناس فعلى ألفاظ، ومن أجل ألفاظ يقتلون ويقتلون بطيب خاطر. ***
الحركات الجميلة موسيقى العيون. ***
ما هو المثل الأعلى الذي لم يعرفه الإنسان ولم يعش به حينا من الدهر؟ لقد عبد آلهة غلاظ الأكباد، ودان بأديان كفر وزندقة، وما زال يدين بمثلها. هو هنا يؤمل آمالا أبدية، وهناك يعبد اليأس والموت والعدم، وهو حيث كان يعمل بنظام أخلاقي معين؛ إذ يستحيل أن يعيش بلا آداب تسوسه.
أما والآداب ضرورية لحياة المجتمع، فلا سبيل ولو اجتمعت نظريات العالم كلها إلى غلبتها والقضاء عليها، هل كف الإله «مولوخ» الأمهات الفينيقيات عن إرضاع صغارهن؟! ***
لم يعدم رأي في الآداب طائفة من الناس تؤيده وتدعو إليه، وإذا توافقت آراء عدة؛ فلأن أكثر الأخلاقيين كان همهم ألا يخالفوا شعور الجمهور وغريزة العامة، ولو أنهم أصغوا لصوت العقل وحده، لقادهم في سبل مختلفة إلى أغرب النتائج، كما هو مشاهد في بعض الفرق الدينية التي أغرت العزلة واضعيها بازدراء إجماع الناس الذي لم يبن على الروية. ***
ليس أفعل في النفوس من سحر الأشياء المحجوبة، ولا جمال بلا نقاب يصونه، فإن الإنسان لا يؤثر على المجهول شيئا، ولولا الأحلام لما نهض بعبء الحياة أحد. ليس في الحياة خير من هذا الشيء الذي لا نعرفه، ولكن يخيل لنا أنه فيها. إن الموجود أو الواقع يفيد في صنع الخيال أو المثل الأعلى - سواء بإجادة أم بغير إجادة - ولعل هذه أعظم فوائده. ***
إن المؤلفات التي يجمع الناس على الإعجاب بها، هي التي لا يعمل الروية فيها أحد؛ يأخذونها كما يؤخذ الحمل الثمين الذي ينالونه آخرين دون أن ينظروا فيه، أم حسبت أن في تقبلنا مؤلفات «الكلاسيك» من الإغريق واللاتين، بل من الفرنسيس أيضا، كثيرا من حرية الرأي؟ وهذا الذوق الذي يدفعنا إلى كتاب عصري، ويدفعنا عن كتاب آخر هل تحسبه حرا، أم هو مبني على ظروف لا شأن لمضمون الكتاب فيها، أهمها روح التقليد الذي ليس في عالمي الإنسان والحيوان، أعظم منه سلطانا؟ إن روح التقليد ضروري لنعيش دون أن نضل كثيرا؛ هو مسيطر على أعمالنا وعلى ذائقتنا الفنية، ولولاه لكانت الآراء الأدبية والأحكام الفنية أشد اختلافا مما هي. إذا نال كتاب بضعة أصوات لسبب من الأسباب، نال بعد ذلك بفعل التقليد أصواتا لا تحصى، فالأصوات الأولى وحدها كانت حرة، أما ما عداها فأصوات تابعة طائعة، وإذن لا معنى ولا قيمة ولا ميزة لها، ولكن عن كثرتها ينشأ المجد. كل شيء متوقف على بداية صغيرة، فالمؤلفات التي تلقاها الجمهور بعدم الرضى منذ ظهورها لن يكون لها في المستقبل حظ من القبول، والمؤلفات التي اشتهرت منذ البداية لن تزال مبجلة، رغم أنها قد تصبح غير مفهومة، وفي هذا دلالة على أن الإجماع منشؤه التقليد، يزول بزواله. ***
قد يحرم من تذوق اللذة مانحها. ***
صفحه نامشخص