وجمع خياله بين الصورتين في إطار أنيق وديع من صوتها الهامس ... وحانت له الفرصة ليطوي يده على اليد الصغيرة المرفوعة، وغالب نفسه طويلا لكيلا يلثم هذه اليد!
وكان لقاء على رمال الشاطئ في اليومين التاليين، أخذ الهوى خلالهما سبيله إلى القلبين الشابين، وانطلقت أولى كلمات هذا الهوى في لقائهما الثاني، إثر سعلة عنيفة تعثرت في فمها، فتعثر لها فؤاده، وقال في حنان: سلامتك!
وأجابت بنظرة كلها يأس، ورد بنظرة كلها حب وأمل ...
ومرت أيام، ذرع إليها الشاطئ أكثر من مرة فلم يجدها، وطال ترقبه وتكرر يأسه؛ ففزع إلى ابنة عمه مضطربا يسألها عن صديقتها، وهناك عرف الحقيقة المروعة!
لقد نما الحب في قلبيهما مع مرض خبيث انساب إلى صدرها، وقرر الطبيب أن لا بد من نقلها إلى حلوان.
أطاق يوما واحدا بعد ذلك النبأ كآبة الشاطئ الخالي من منيرة ... يوما واحدا حزم بعده حقائبه إلى القاهرة.
وعرفت رمال حلوان منذ ذلك اليوم وقع خطواته، وهو يدب بأقدام مثقلة بأحزانه صوب «المصحة»، حيث يأوي المصدورون. وأصبح يومه يتلخص في ساعات العمل البغيضة في الصباح، ثم الانطلاق بعد ذلك إلى حيث تأوي آماله بين جدران غرفة بيضاء.
وذاقت منيرة مع مرارة المرض ساعات حلوة، غمرها فيها بحبه وحنانه ... ووقف الطبيب ذات يوم على حافة فراشها، وقال وهو يتحسسها: لن يطول مكثك بيننا يا منيرة؛ فربما استطعت مغادرة المستشفى بعد أسبوعين أو ثلاثة.
وزفت إليه البشرى عصر ذلك اليوم، ومرت دقائق الأسابيع الثلاثة كأنها جبال تتحرك منزاحة عن صدره، ومرت الساعات أجيالا، ومرت الأيام دهورا ، وبدت له نهايتها كحلم جميل.
وغادرت منيرة «المصحة»، وعادت إلى منزلها، فأضاء قلبه عشرة أضعاف الثريات التي أضاءت دارها ليلة وصولها، وغمر قلبه فرح تتضاءل معه أفراح كل أسرتها، وعاد إلى الحياة في صباح اليوم التالي نشيطا مبتهجا، وقال زميل له يداعبه: مش رايح النهاردة حلوان؟
صفحه نامشخص