اقباط و مسلمون

ژاک تاجر d. 1371 AH
85

اقباط و مسلمون

أقباط ومسلمون: منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢م

ژانرها

إن تعاليم مذهب الإسماعيلية لم تكن جديدة على الفاطميين الذين كانوا يستوحونها في كل وقت، ويتضح من هذا أنها لم توضع موضع الاعتبار فقط منذ أعلن الحاكم دعوته، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فقد مضت أربع سنوات بين إعلان الدعوة وبين إجراءات العفو التي اتخذها الحاكم نحو النصارى.

كنا نفهم أن يعفو الحاكم عن الذين يعترفون بدعوته ويجزل لهم العطاء، ولكننا نلاحظ عكس ذلك، نراه يسمح للذميين أن يتعبدوا علانية، بل يذهب إلى حثهم على إعادة بناء كنائسهم وأديرتهم وزيارة رهبانهم.

إن الحوادث التي وقعت في آخر خلافته تلقي ضوءا على ما قدمناه، يذكر لنا الأنطاكي أنه في عام 411ه «1028م» توجه الأنبا «صلمون» رئيس دير طور سينا، إلى الحاكم وبسط إليه حالة فقر رهبان الدير المذكور، والتمس منه إعادة الأراضي الموقوفة التي صادرها، فلبى الحاكم طلب رئيس الدير، وفي نفس السنة، استأذن الأنبا صلمون بعمارة دير القصير وبإعادة الرهبان إليه وإقامة الصلوات فيه، فأجابه إلى طلبه، وصدر «سجل» بهذا المعنى إلى «صلمون بن إبراهيم» في شهر ربيع الآخر من عام 411ه،

29

وفي جمادى الآخرة من نفس السنة، صدر سجل بإعادة بناء كنيسة القيامة.

وتبع هذا الأمر أوامر أخرى مماثلة شملت الكنائس والأديرة، وتشجع النصارى وأخذوا يطالبون بامتيازات أخرى، ويقول سعيد الأنطاكي: «لما تسامح الحاكم بعمارة الكنائس وتحديدها ورد أوقافها، لقيه جماعة من النصارى، الذين كانوا قد أسلموا في وقت الاضطهاد وطرحوا أنفسهم عليه بين يديه وهم مسترسلون للموت، وقالوا له: إن الذي دخلنا فيه من التظاهر بدين الإسلام، لم يكن باختيارنا ولا برغبة منا، فنحن نسأل أن تأمرنا بالعود إلى ديننا، إن رأيت ذلك، أو تأمر بقتلنا. فأمرهم للوقف بلباس الزنانير ولباس السواد وحمل الصلبان، وكان كل منهم قد أعد عدة غيار ثيابه.»

30

ثم يقول المؤرخ المذكور: إن عددا قليلا من الناس حذا حذوهم خوفا من أن يكون الحاكم يريد الإيقاع بهم؛ ذلك لأن الديانة الإسلامية تمنع الردة، ولكن بناء على اقتراح الأنبا صلمون، أكد الحاكم حسن استعداده نحو النصارى.

وأبرز سعيد الأنطاكي صداقة الحاكم؛ لأنبا صلمون، فروى لنا كيف كان الخليفة يخف إلى تحقيق أماني الراهب جميعها، وكيف كان يقابله كل يوم في الطريق الصحراوي المؤدي إلى دير القصير على جبل المقطم ويسأله عما هو في حاجة إليه حتى إن ألسنة السوء، من بعض المسلمين تناولته بالتشنيع لها، وزعمت أن الخليفة أصبح مريدا لأنبا صلمون، خاصة بعد أن لبس الحاكم زي الرهبان.

إن هذه التفاصيل وما يليها لها أهمية بالنسبة إلى الأحداث المقبلة، ويواصل الأنطاكي حديثه قائلا: «وكان في كثير من الأيام يقصد دير القصير ويشاهد عمارته ويحث الصناع على الفراغ منه، وأطلق له دنانير تصرف عليه، ودفع أيضا إلى الرهبان المقيمين فيه دنانير ورسم لهم مساعدة البنائين لتروج عمارته،

صفحه نامشخص