اقباط و مسلمون
أقباط ومسلمون: منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢م
ژانرها
ويعزى هذا التسامح إلى أن الذي قام بتربية عبد العزيز هو أحد النصارى اسمه «أنستاس» أو «بار جومي»، ويقول ميخائيل السوري عنه: «إنه ذكي وكثير الاطلاع.»
66
وأكبر الظن أن هذه النشأة كان لها أثرها في عطفه على الأقباط.
وبالعكس يصور الرواة النصارى أخاه عبد الله في أبشع الصور؛ إذ لم يكتف هذا الوالي بإقرار ضريبة الدينار على رجال الدين، بل سجن أيضا البطريرك اليعقربي ليرغمه على إعطائه جزءا من ثروته، ويحدثنا عنه ساويرس قائلا: «لما وصل عبد الله بن عبد الملك إلى كورة مصر، فعل أيضا أفعال سوء، وكان جميع الأراخنة خائفين لفعله الذي حسنه له الشيطان ... وفي تلك الأيام، خرج الطوباني الإكسندروسي وسار إلى مصر ليسلم عليه كالعادة من البطاركة والولاة، فلما نظر إليه قال: «من هو هذا؟» قالوا له: «هذا أب وبطرك جميع النصارى»، فأخذه وسلمه لواحد من حجابه وقال له: «أفعل به ما تريد من الهوان إلى أن يقوم بثلاثة آلاف دينار»، فأخذه وأقام عنده ثلاثة أيام فلما نظر ذلك جرجه الشماس النمراوي، أنه ما يفرج عن البطرك إلا بعد أن يأخذ المال، تقدم إليه وقال له: «يا سيدنا تطلب نفس البطريك أو مال؟» فقال له: «أريد المال» فقال له الشماس جرجه: «ضمني إياه مدة شهرين أنحدر به إلى بحري أطلب له من الأراخنة والنصارى وأقوم لك عنه بثلاثة ألف دينار»، فسلمه إليه، فطاف به المدن والقرى على المؤمنين بالمسيح حتى حصل المال وجمعه.».
67
ويتهم ساويرس الوالي عبد الله بأنه حصل من أهل الذمة ثلثي دينار زيادة عما كانوا يدفعونه من قبل ويصفه الأسقف بأنه «كان محبا للمال جدا». «ويتهمه الكندي بأنه شجع الرشوة وملأ جيوبه بمال الجزية .».
68
ولم يكن قرة بن شريك، الذي خلف عبد الله في ولاية مصر، أقل حبا للمال من سلفه، ويقص علينا ساويرس أنه لما ذهب البطريرك اليائس إلى قرة ليهنئه بالولاية، كما جرى العرف، قبض عليه قرة وقال له: «الذي قبضه منك عبد الله بن عبد الملك تحتاج أن تقوم لي بمثله.» ويحكى المؤرخ عن قرة أيضا أنه اقتحم كنيسة الفسطاط مع نفر من الفساق المقربين إليه وبعض المهرجين، ومكثوا أمام الهيكل في أثناء أداء الصلاة.
إنها سنة استنها أحد الولاة الجشعين، فأصبح من المتعذر بعد ذلك أن يحال بين الولاة اللاحقين وبين نهجهم على منوال هذا السلف، وقد أرسل الخليفة سليمان بن عبد الملك إلى مصر أسامة بن زيد ليقوم على بيت المال، ويبدو أن هذا الرجل كان أكثر جشعا ممن سبقه، ويقول المؤرخون المسلمون والنصارى: إنه قام بمصادرة الأملاك بغير حق كما أسرف في القتل بصورة وحشية، ولقد جمع الرهبان وأخبرهم بوجوب الإبقاء على الرسم الذي فرضه عبد العزيز عليهم، كما أجبرهم على أن يطلبوا من رجال الضرائب خاتما من حديد تنقش عليه أسماؤهم وموعد دفع الضرائب، على أن يضعوا هذا الخاتم في أحد أصابعهم حتى إذا ما قبض على راهب وكانت يده عاطلة منه قطعت في الحال.
ويظهر أن أمر أسامة هذا دخل في دور التنفيذ، أما الرهبان الذين لجئوا إلى الأديرة واعتقدوا أنهم تمكنوا بهذه الطريقة الهرب من دفع الضريبة دون أن ينالهم أي عقاب، فقد قام رجال الشرطة بالبحث عنهم والقبض عليهم، ثم حكم عليهم بقطع رءوسهم أو جلدهم حتى الموت، وإلى جانب ذلك، أصدر أسامة أمرا يحتم على السكان، الذين يسافرون بطريق النيل شمالا أو جنوبا أن يحملوا جواز سفر مدموغا.
صفحه نامشخص