اقباط و مسلمون
أقباط ومسلمون: منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢م
ژانرها
ومما يؤسف له حقا أن يؤدي الجشع الذي أوجدته ثروة مصر وريبة الخلفاء في سياساتهم نحو الولاة إلى عواقب وخيمة، فالإحصاءات تدل على أن الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين منذ سنة 20ه «641م» إلى سنة 252ه «866م»؛ أي: من ولاية عمرو بن العاص إلى ولاية ابن طولون، نصبوا في بحر مئتين وخمس وعشرين سنة مئة وأحد عشر واليا، ولو أن بعض الولاة قد عينوا مرتين أو ثلاث مرات، إلا أن المدة القصيرة التي كانوا يحكمون خلالها لم تسنح لهم الفرصة لاتباع سياسة إنشائية أو على الأقل للتفكير في وضع خطة معينة.
ويقدم لنا «الأستاذ جاستون فييت»،
4
إحصاء شيقا يبدأ به بعد وفاة عمرو بن العاص؛ أي: من سنة 43ه «664م»، وهذا الإحصاء يقول: «حكم مصر أثناء خلافة الأمويين واحد وعشرين واليا، اثنان منهم وليا الحكم مرتين وواحد منهم ثلاث مرات، وقد حكم أحدهم البلاد باسم ابن الزبير، ولم يلبث أن عزله الخليفة مروان، وكان خمسة من هؤلاء من أسرة الخلفاء؛ وقد توفي ستة منهم وهم ولاة؛ ونقل الخليفة أو أقال أحد عشر منهم؛ واستقال أحدهم وطرد الجند آخر؛ لأنه خفض رواتبهم؛ أما الوالي الأخير، فالمرجح أن العباسيين قتلوه، ومكث أحدهم على كرسي الولاية ستة عشر يوما
5
بينما تربع آخر عشرين سنة، وهي أطول مدة قضاها والي مصر،
6
وإذا انتقلنا إلى الخلافة العباسية، ألفيناهم عينوا أربعة وستين واليا، تسعة منهم تولوا الحكم مرتين وواحد ثلاث مرات، وفي عهد المأمون ولت قوات الجيش التي ظلت مخلصة لذكرى الخليفة الأمين خمسة منهم، وكان اثنا عشر واليا من أسرة الخليفة، وقد توفي عشرة وهم في الحكم ونقل أو أقيل خمسون منهم، وقتل اثنان، وطرد الجنود الثائرون واحدا واستقال أحدهم لينضم إلى الثوار، ومما يلفت النظر أن عدد التنقلات قد ازداد في عصر العباسيين بالنسبة إلى ما كان عليه أيام حكم الأمويين، ويرجع السبب إلى أن السلطة المركزية كانت بعيدة جدا؛ أي: في بغداد، وكان الخليفة لا يريد أن يترك للولاة متسعا من الوقت يستطيعون خلاله استمالة قلوب الشعب إليهم، وكان الخوف من نفوذ الولاة قد طبع في قلوب الخلفاء شيئا من القلق المستديم، ويغلب على الظن أن هذا الخوف هو الذي أدى إلى قتل البرامكة، تلك المأساة التي ساءت إلى ذكرى الخليفة هارون الرشيد.».
ونضيف إلى ما تقدم أن أربعة وعشرين واليا حكموا مصر أثناء خلافة هارون الرشيد وحده؛ أي: في ثلاث وعشرين سنة.
ويواصل الأستاذ جاستون فييت بحثه قائلا: «إن عدم الاستقرار الذي لازم تعيين الولاة لم يكن في صالح البلاد على الإطلاق؛ إذ كيف يطلب من موظف جاء من الخارج ويثق من عدم بقائه في الولاية، أن يعير البلاد اهتمامه أو أن ينظم مواردها أو أن يسهر على دولاب إدارتها؟».
صفحه نامشخص