وأما المفاسد اللازمة عليه فهي كثيرة منها أنهم جعلوا الاستقراء والتمثيل من الظنيات، واعتمدوا عليهما في حد القياس ويلزم من ذلك أن يكون حدوث العالم ظنيا لا يقينيا، أما الاستقراء فلأنه قد روي إجماع محققيهم على أن المقدمات الحقيقية إنما يتصيدها العقل من استقراء الجزئيات بأن يتصور صورة زيد، ثم صورة شخص آخر، ثم كذلك حتى يرتسم في نفسه صورة الكلية الشاملة لجميع أشخاص الناس، وأما التمثيل فلأن اليقيني لا يكون قياسا إلا إذا حصل فيه علة جامعة، وحينئذ يكون من قياس التمثيل الذي جعلوه ظنيا؛ فيقال: لسنا نعلم أن العالم حادث إلا لحصول معنى، وهو التغير إذ لا معنى لقياس التمثيل إلا إذا كان مبنيا على علة، فإذا كان الأمر كذلك، وهم قد صرحوا بأن الاستقراء والتمثيل لا يفيدان إلا الظن؛ فقد نقضوا قولهم وظهر أنه لا يقيني عندهم؛ لأن المقدمات التي يسمونها يقينية قد بنوها على ما لا يفيد عندهم إلا الظن، وبهذا يتبين لك أنه لا غرض لهم إلا الخداع، والإلحاد لا بيان الأدلة وأن دعواهم هذه لو تمت لكان حدوث العالم ظنيا، ويلزم منه أن يكون إثبات الصانع جل وعلا ظنيا، فيحصل ما راموه من نفي الصانع وإبطال الشرائع.
صفحه ۳