مُحْتَدِمٌ تَسْمَعُ صَوْتَ وَقْعِه ... كأَنَّهُ وَقْعُ صَفًا على صَفَا
قَيْدُ الوُحُوشِ لا يَزالُ مُدرِكًا ... راكِبُه عَفْوًا عليه ما اشْتَهَى
وعارضَ قَصيدتي هذِه شاعِرٌ من أَهْل حَرّانَ اسمُه سَعِيدُ بنُ صَدَقَةَ الهاشميُّ بمقصورة لاذَ فيها بشِعِري لفظًا ومعنًى وأَخطَأَ في أَبيات عِدَّة منها، قال:
طِرْفٌ كَرِيمُ الطَّرَفَين مرِحٌ ... يَمْشِي الدِّفِقّاءَ ويَعْدُو المَرَطَى
الدِّفِقَّى مقصورٌ فَمدَّهُ، وهو خَطأٌ قَبيح. وقال:
كأَنّه الريحُ تَهُبُّ عاصِفًا ... وخَاطِفُ البرْقِ أَو النّجْمُ هَوَى
ويَذْرَعُ الأَرْضَ ببَاعٍ وَاسعٍ ... وَهْوَ إِذا ما قِيدَ زَيّافُ الخُطَا
مُسْتَشْرِفٌ في جَرْيه وإِنْ مَشَى ... رَدَى مِرَاحًا وإِذَا عَدَا دَحَا
تَقولُ جَبَّى مُدْبِرًا ومُقْبِلًا ... أَقْعَى وإِنْ عارَضْتَه قُلْتَ اسْتَوَى
كلُّ هذِه المعاني لاذَ فيها بما قلته، وهذانِ البَيتانِ الأَخِيرانِ نَظَمهما من قول ابن أُقَيصِر الأَسديّ وقد سُئِل ما أَجودُ الخَيْل؟ فقال: الذِي إِذا اسْتَقْبَلْتَه أَقْعَى، وإِذا اسْتدبَرْتَه جَبَّى، وإِذا عارَضْتَه اسْتَوى، وإِذا مَشَى رَدَى وإِذا عَدَا دَحَا. وقال:
عالِي السَّرَاةِ والقَطَاةِ مُجْفَرٌ ... حابِي القُصَيْرَى رَبِذٌ عَبْلُ الشَّوَى
وأَيِّدُ الأَرْساغِ ذو حَوَافِرٍ ... صُمٍّ فمَا يَسْمَعنْ أَصْوَاتَ الوَجَى
البيت الأَول منقولٌ من ابن دُرَيد، والثاني خطأَ لأَنّ الصُمَّ هاهنا الصِّلاب كالحجارة الصُّمّ، وليست بمعنَى الصَّمَم، والوَجَى لا صَوْتَ له فيُسْمَعُ، ولو قال:
وأَيِّدُ الأَرْساغ ذو حَوَافِرٍ ... حُفْرٍ صِلاَبٍ ما تَشَكَّيْنَ الوَجَى
لكان طابقَ وأَصابَ الصوابَ. وقال:
وما يَزالُ مُلجِمٌ تَلِيلَه ... إِلاّ إِذا مَدَّ يَدَيْهِ ونَمَا
أَشْرَقَ بالذُّبُولِ من فَرِيرِه ... وزِينَ مِن حَصِيرهِ بما بَدَا
مُحَجَّلٌّ مُخَدَّمٌ كأَنّما ... غُرَّتُه الشِّعْرَى ضِيَاءً وبَهَا
البيت الأول معناه مأْخوذ من قول أعرابي:
عالِي المَقَدَّينِ تَرَى مُلْجِمَه ... يَعْلُو على الأَرْض بتَطْوِيل القَدَمْ
والثاني مأْخوذٌ من كلامِ بعض العرب الشامِيِّين وقد سُئِل: مَتَى يَبلُغُ ضُمْرُ الفَرَس؟ فقال: إذا ذَبُلَ فَرِيرُه، وتَفلَّقتْ غُرُورُه، وبَدَا حصِيرُهُ، واسْتَرْخَت شَاكِلتُهُ.
الفَرِيرُ: مَوْضع المَجَسَّة من مَعْرَفته، وغُرُورُه: غُضُونُ جِلْدِه، وحصِيره: العَصَبةُ التي في الجنْبِ في الأَضلاع إلى جَنْبِ الصُّلْب، والشَّاكِلةُ: الطِّفْطِفَةُ.
والبيت الثالث خَطأٌ، لأنّ التحجيل والتخديم لا يَجتمعانِ في فَرَسٍ، وقد بَيَّنَا ذلك في شِيَاتِ الخَيْل.
والبَهَاءُ ممدودٌ فقَصَرَه، وذلك جائزٌ عند الاضطرار إِذا لم يكن البِنَاءُ وَاهِيًا مُنْحَلاَّ، والنّظمُ ساقِطًا مُضمَحِلًاّ، والقَصِيدَة بأَسْرِها على هذا، وقد عَملنا فيها رِسالةً سارَتْ.
ولأبي المعتصم عاصم بن محمّد الأَنطاكيّ:
هذا وطرِفٌ يَسْبِق ال ... طَّرْفَ إِذا الطَّرْفُ رَنَا
أَدْهَمُ كاللَّيْلِ إِذا ... أَرْدِيَةَ اللَّيْلِ ارْتَدَى
كأَنّما يَرْمِي الدُّجَى ... بِقطْعَةٍ من الدُّجَى
مُحجَّلُ الأَرْبَعِ مَحْ ... بُوكُ القَرَا عَبْلُ الشَّوَى
ذِي قُرْحَةٍ خَفِيّة ... كأَنّها نَجْمُ السُّهَا
كأَنّما أَرْبَعُهُ ... إِذا تَنَاهَبْنَ الثَّرَى
ريحُ الجَنُوبِ والدَّبو ... رِ والشَّمَالِ والصَّبَا
يَلْعَب في الأَرْضِ بها ... من مَرَحٍ خَسَا زَكَا
مُوَاجِةٌ وَجْهَ الصَّفَا ... منه بأَمْثَالِ الصَّفَا
1 / 62