سَلْعَمِ اللَّحْيِ وَاسِعِ الشَّجْرِ حُرِّ الْ ... أُذْنِ وَافِي الدِّمَاغِ والوَجْه عارِ
ماجَ منه الجِرَانُ واشتدَّ عِلْبَا ... وَاهُ واحْدَوْدَبَا دُوَيْنَ العِذَارِ
مَحِصِ الفَصِّ مُكْرَبِ الرُّسْغِ سَهْلِ الْ ... خَدِّ سامِي الجُفُونِ والأَشْفارِ
مُشرِفٍ مُقْبِلًا مُجَبٍّ إِذَا أَدْ ... برَ مُسْتَعْرضًَا ككَرٍّ مُغَارِ
فَهْو في خَلْقِهِ طُوَالٌ ورَحْبٌ ... وعُرَاضٌ ِإلى شِدَادٍ قِصارِ
طالَ هَادِيهِ والذِّرَاعَانِ والأَضْ ... لاعُ منْه فتَمَّ في إِجْفَارِ
ثُمَّ طالَتْ وأُيِّدَتْ فَخِذاهُ ... فهو كَفْتُ الوُثُوبِ ثَبْتُ الخَبارِ
ورَحِيبُ الفُرُوج والخَدِّ والشَّدْ ... قَيْنِ قُدّامَ منْخرٍ كالوِجَارِ
وعَرِيضُ الوَظِيفِ والجَنْبِ والأَوْ ... راكِ والجَبْهَةِ العَرِيضُ الفَقَارِ
والقَصِيرُ الكُرَاعِ والظَّهْر والسّا ... قِ لم يُسْلِمْهُ تَرْكيبها اسْتبحار
والحَدِيدُ الفُؤادِ والسَمْعِ والعُرْ ... قُوبِ والطَّرْفِ حِدّةً في وَقَارِ
وَهْوَ صَافِي الأَدِيمِ والعَيْنِ والحا ... فِرِ غَمْرٌ بَدِيهَةَ الإِحْضارِ
كالعُقَاب الطَّلوبِ يَضْربُهَا الطَّ ... لُّ وقدْ صَوَّبَتْ على عِسْبارِ
لاَنَ فاهْتَزَّ مُقْبِلًا فإِذا أَد ... بَرَ أَهْوَى تَتابُعَ الأَدْبَارِ
ولأَنَيف بن جَبَلةَ الضَّبّيّ، وكان أًوْصفَ الناسِ لفَرسٍ:
ولقدْ شَهِدْتُ الخَيْلَ يَحْمِلُ شِكَّتي ... عَتَدٌ كسِرْحانِ القصِيمةَ مِنْهَبُ
أَلْوَى إِذَا اسْتَعْرَضْتَه فكأَنَّهُ ... في العَيْن جِذْعٌ مِن أُوَالَ مُشَذَّبُ
وإِذا اعْتَرضْتَ له اسْتَوَتْ أَقْتارُه ... وكأَنّه مُسْتدْبرًا مُتَصوِّبُ
هذا أَوّلُ من قال في هذا المعنى في إِقْباله وإِدبارِه واعتراضِه، وأَخذَه الناسُ، فقال سَلْمٌ الخاسِرُ وأَحسنَ في قوله ما شاءَ:
وأَغْتدِي والشَّمسُ مَحجوبةُّ ... لم تَنسفِرْ عنها الجَلابِيبُ
بسَابِغَِ الأضْلاعِ ذي مَيْعَة ... تمَّتْ له ساقٌ وعُرْقُوبُ
هَادِيهِ مثْلُ الشَّطْرِ من خَلْقِه ... إِذا عدَا والبَطْنُ مَقْبوبٌ
تَخالُه مُسْتقبْلًا مُقْعِيًا ... وهْوَ إِذا اسْتَدبَرْتَ مَكْبوبُ
يُشْرِفُ أَو يَنْحَطُّ كلٌّ مَعًا ... فالخَلْقُ تَصْعِيدٌ وتَصْوِيبُ
كأَنّما الشِّعْرَى على وَجْههِ ... وفي مجاري المَتْن تَذْهيبُ
يَحْمِلُ منه بَعْضُهُ بَعْضَه ... فرَاكِبٌ منه ومَرْكوبُ
كالرِّيح إِلاّ أَنّها صُورةٌ ... يَسْمو بها شَدٌّ وتَقْرِيبُ
هذا من أَحسن تَشْبيهِ استُعِيرَ وأَجْوَدِهِ، وقولهُ هادِيه مثلُ الشَّطْرِ من خلقه، مَأْخوذ من كلام أَعرابيّة رواه الأَصمعيّ فيما حدَّثنا به محمَّد بن الحسن، عن أَبي حاتمٍ عنه قال: خَرجَ ثلاثُ نِسوةٍ من العرَب يَسأَلْن عن آبائهنّ، وكانوا خَرَجوا في بعض الغارات، فتلقّاهنّ رَجلٌ قال: فقال لإِحْدَاهنّ: صِفِي لي فَرس أَبِيك. فقالت: كان أَبي على قَصِيرٍ ظَهْرُهَا، رَحِيبٍ بَطْنُها، هَادِيها شطْرُها. فقال: نجَا أَبوكِ، وقالت الثانية: كان أَبي على شَقَّاءَ مقّاءَ، طويلةِ الأَنْقَاءِ يتمطَّقُ أُنْثياها بالعَرَق، تمطُّقَ الشَّيْخِ بالمَرَق. فقال: نجا أَبوك، وقالت الثالثة: كان أَبي على كَزّةٍ أَنُوحٍ يُرْوِيها لَبَنُ اللَّقُوح. فقال: قُتِل أَبوكِ: فلمّا رجَع الناسُ من الغارَة كان الأمرُ على ما قاله.
1 / 55