البصير [الإسراء: 1] بها.
فالضمير في (إنه) يعود عليه (صلى الله عليه وسلم) كما هو المتبادر من الآية.
وذكره الشيخ الأكبر في «فتوحاته» فقال: إنه أسري به فرأى الآيات، وسمع صريف الأقلام، فكان يرى الآيات ويسمع فيها ما حظه السماع، وهو الصوت انتهى.
وقال في حقه أيضا: لقد رأى من آيات ربه الكبرى [النجم: 18] يعني الآية الكبرى وهي حقيقته (عليه السلام)؛ إذ لم يخلق الله آية هي أكبر منها ولا أفخر ولا أعجب، كيف وهو أول المخلوقات، ولأجلها ومنها تفرعت الكائنات.
وقيل: معناه الآيات العظام: أي الآيات التي هي أكبر الآيات وأعظمها وأجلها، دفعا لما يتوهم من أنه إنما اطلع على الآيات الصغار، وكيف وهو أفضل الخلق وأكرمهم على الله تعالى، فالمناسب لقدره كبار الآيات لا صغارها، مما لم يكشف لأحد سواه (صلى الله عليه وسلم).
فإنه لما أسري به أتته ملائكة السماوات فما فوقها خاضعة طائعة، وأظهر الكل الانقياد له والدخول تحت حكمه وولايته، وجاءت لدعوته الأشجار والأحجار والحيوانات العجم، وكلمته بلسانها وسجدت له، وانقادت لأمره.
أسرى به ليلا من المسجد الحرام الأدنى، وعرج به إلى السماوات، وزاد به إلى مقام قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وكلمه كفاحا تكليما، وأمده من العلوم اللدنية والكونية بما لا يخطر ببال أحد، ولا هو حاصل في أمنيته، وتممها بالقطرة التي قطرت على لسانه ليلة الإسراء من بحر العلم الأزلي، وبيده الكريمة التي وضعها بين كتفيه تتميما.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي في التفسير في سورة (ص)، واللفظ له ولأحمد والمروزي في كتاب «الصلاة» عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «آتاني الليلة ربي»، وفي رواية أحمد: «أتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة- أحسبه يعني في المنام- قال كذا في الحديث وفي رواية أحمد- أحسبه يعني في النوم- فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ؟ قال: قلت: لا».
صفحه ۸۶