إن في بنات خيال الشعراء العبقريين وبنات أفكار الفلاسفة الكبار لفلسفة هي الشعر، وشعرا هو الفلسفة، وقل: هو الشعر الفلسفي في أسمى مظاهره، وهي الفلسفة الشعرية في أجلى وأجمل معانيها.
واعلم، سلمك الله، أن الحقيقة العلمية المجردة هي ناقصة نقص الحقيقة المنحصرة بالشعور، أما الحقيقة الكبرى - الحقيقة السابغة الشاملة الدائمة الثابتة - إنما هي التي تجمع بين الحقيقتين، بين ما يدركه الشاعر بحسه الدقيق، وما يدركه الفيلسوف بعقله المحيط، هي حقيقة غوته في «فوست» “Faust”
هي حقيقة شكسبير في «هملت» “Hamlet”
هي حقيقة وضزورث في «الإكسكرشن» “The Excursion”
هي حقيقة برغسن “Henri Bergson”
في كتابه “L’Evolution Crèatrice”
هي حقيقة المعري في «اللزوميات»، هي حقيقة الغزالي في «إحياء العلوم»، هي حقيقة ابن طفيل في «حي بن يقظان»، هاك القليل من الكثير في هذا الباب.
قال الفيلسوف للشاعر: إني أعلم ما تراه، وقال الشاعر للفيلسوف: إني أرى ما تعلمه، مثل هذا الشاعر وهذا الفيلسوف لا يختلفان، وكثيرا ما يكمل الواحد منهما عمل الآخر، فيدرك الفيلسوف بالعلم والاستقراء ما يفتح للشاعر أبوابا للوحي جديدة ويدرك الشاعر بالحس والتصور ما ينبه الفيلسوف لجادة في البحث مجهولة، ويوسع لديه نطاق الفكر والاكتشاف.
دع الشعر والفلسفة وانظر معي تكملة للبحث في حياة الشاعر والفيلسوف العملية، وفي ما يتوجب عليهما كأبناء وطن واحد، بل كأخوين مفكرين، منزهين عن الأغراض الشخصية، والمآرب النفسية كلها، فهل تظنهما وهذه صفة كليهما، يختلفان في الحقائق الأساسية للحياة سياسية كانت أو اجتماعية؟
خذ هذه الحقيقة الكبرى في حياتنا الانتدابية: المنتدبون متمدنون، والمنتدبون مسيحيون، والمنتدبون مقتدرون، أي: أنهم أصحاب جنود وأساطيل، فالمتمدن يجب أن يكون عادلا، والمسيحي يجب أن يكون وديعا، والمقتدر يجب أن يكون صريحا صادقا.
صفحه نامشخص