...ولقد عومل حمزة مع جلالته بالإنكار عليه في قراءته من جماعة من الكبار، ولم يجر مثل ذلك للحضرمي أبدا، حتى نشأ طائفة متأخرون لم يألفوها، ولا عرفوها، فأنكروها، ومن جهل شيئا عاداه. قالوا: لم تتصل بنا قراءته متواترة، قلنا: اتصلت بخلق كثير متواترة، وليس من شرط التواتر أن يصل إلى كل الأمة، فعند القراء أشياء متواترة دون غيرهم، وعند الفقهاء مسائل متواترة عن أئمتهم لا يدريها القراء، وعند المحدثين أحاديث متواترة قد لا يكون سمعها الفقهاء، أو أفادتهم ظنا فقط، وعند النحاة مسائل قطعية، وكذلك اللغويون، وليس من جهل علما حجة على من علمه، وإنما يقال للجاهل: تعلم، وسل أهل العلم إن كنت لا تعلم، لا يقال للعالم: اجهل ما تعلم، رزقنا الله وإياكم الإنصاف. فكثير من القراآت تدعون تواترها، وبالجهد أن تقدروا على غير الآحاد فيها، ونحن نقول: نتلو بها وإن كانت لا تعرف إلا عن واحد لكونها تلقيت بالقبول، فأفادت العلم، وهذا واقع في حروف كثيرة، وقراآت عديدة، ومن ادعى تواترها فقد كابر الحس. أما القرآن العظيم سوره وآياته فمتواتر ولله الحمد، محفوظ من الله تعالى، لا يستطيع أحد أن يبدله ولا يزيد فيه آية ولا جملة مستقلة، ولو فعل ذلك أحد عمدا لانسلخ من الدين، قال الله تعالى: ?إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون?[الحجر:9] (10/170-171).
القراءة بالشواذ:
في ترجمة شيخ المقرئين أبي الحسن ابن شنبوذ (ت 328ه) أنه كان له رأي في القراءة بالشواذ التي تخالف رسم الإمام، فنقموا عليه ذلك وبالغوا وعزروه.
قال الذهبي: والمسألة مختلف فيها في الجملة، وما عارضوه أصلا فيما أقرأ به يعقوب، ولا لأبي جعفر، بل فيما خرج عن المصحف العثماني.
قال أبو شامة: كان الرفق بابن شنبوذ أولى، وكان اعتقاله وإغلاظ القول له كافيا. وليس بمصيب فيما ذهب إليه، لكن أخطاؤه في واقعة لا تسقط حقه من حرمة أهل القرآن والعلم (15/264-265).
القراءة بالمعنى لضرورة:
صفحه ۵۷