كلا! بل فيه مأثرة وفيه فضل جديد على عالم الأدب في هذا الشرق المسكين الذي كان أدباؤه لا يرتفعون عن منزلة المضحكين، والندماء المهرجين على موائد الأغنياء والرؤساء، فإذا ارتفعوا عن هذه المنزلة قليلا أو كثيرا، فهم لا يرتفعون بفضل الأدب والفن، بل بفضل وظيفة يعتصمون بها، أو شهادة علمية ينتحلون سمعتها، أو ثروة يحسبون من أهلها، ثم يحترمون لأجلها على الرغم من كونهم كتابا وشعراء!
وها هو ذا إنسان يعرف حقه في الكرامة، ولا يعرف حقا لتلك الأصنام الاجتماعية تفرضه عليه.
صنم المال، وصنم العناوين العلمية، والشارات الرسمية، وصنم المناصب، وصنم الألقاب، كيف تتجاهلها يا هذا؟! وكيف تطلب الكرامة لنفسك من غير طريقها؟!
إن الأصنام لا تقنع بما دون العبادة، فكيف بالإعراض وقلة المبالاة؟! وكيف بالتحطيم والكفران؟!
جهنم الأرباب جميعا قليلة - قليلة جدا - في جانب هذا الذنب العظيم ...
وإذا بهذه الأصنام جميعا تدعوني إلى دفع الجزية المفروضة عن يد ونحن صاغرون، وإذا بها جميعا تعود خالية الوفاض غير محفول بما تعمل وما تقول.
قالت: أتريد لك حقا وكرامة؟
قلت: نعم ...
قالت: إذن كن غنيا وإلا فليس لك كرامة ...
قلت: كلا ... سأكون غنيا عن الغنى، ولي الكرامة التي أريدها ...
صفحه نامشخص