فأصدرت يوما صحيفة باسم «التلميذ» محاكاة لصحيفة «الأستاذ»، وافتتحتها بمقال عنوانه: «لو كنا مثلكم لما فعلنا فعلكم» معارضة لمقال النديم المشهور: «لو كنتم مثلنا لفعلتم فعلنا» يعني بها الأوروبيين.
واقترنت بهذه الظروف رغبة ملحة في القراءة والكتابة، بل في النظم والنثر المسجوع بعض الأحايين.
ولعل المرة الأولى التي عرفت فيها أنني أكتب ما يستحق التنويه بين الأقران قد عرضت لي من قبيل المصادفة وأنا في السنة الثانية الابتدائية، وكان مدرس الخط والكتابة عندنا الخطاط المشهور الشيخ مصطفى عاصم رحمه الله، وهو والد زميلنا أحمد عاصم «بك» الذي أصبح بعد ذلك من رجال التربية المعدودين ...
طلب منا الشيخ مصطفى أن نكتب بالخط النسخ كلاما من عندنا نصف به المدرسة التي نتعلم فيها، ولم تكن دروس الإنشاء مقررة علينا في تلك السنة، ولكنه أراد أن يجعلها درسا من دروس الخط بكتابة من عندنا غير كتابة «المشق» المرسوم.
ونسيت هذا الطلب لأنه «نافلة» لا يدخل في باب المقررات، فلما التقيت قبل دق الجرس بزملائي سألني أحدهم: «هل كتبت ما طلبه مدرس الخط؟» فتذكرت ذلك الطلب «النافلة»، وبدا لي أن كتابته خير من إهماله، وأخرجت كراسة التجارب فكتبت صفحة من صفحاتها في هذا الموضوع.
وكان من المفاجآت لي وللزملاء الصغار - الذين علموا كيف كتبت ذلك الموضوع بعد تنبيههم إياي - أن المدرس لم يقرأ في الفصل غير ذلك الموضوع! وغار الزملاء، فقال بعضهم: إنه يا أفندي كان ناسيا، وذكرناه به في اللحظة الأخيرة ...
وظنوا أنهم يهبطون بدرجة الإنشاء في تقدير الشيخ، فإذا هو يضاعف التقدير، ويقول لهم: إن هذا أدل على الإجادة وحسن الاستعداد.
وبلغت السادسة عشرة وأنا أعمل في وظيفة حكومية، وكان علي أن أنتظر سنتين قبل التثبيت؛ لأن الوظائف الدائمة لا تثبت قبل الثامنة عشرة!
فخطر لي ذات مرة أن أريح نفسي من هذا الانتظار، وأن أتوفر على إصدار صحيفة أسبوعية باسم «رجع الصدى»، واتخذت مستشاري لهذا العمل «كتبيا» بحي الأزهر كنت أشتري منه الكتب الأدبية بأرخص الأثمان؛ لأنها كانت مطبوعة - كلها - على الورق الأصفر، وبعضها مرجوع يباع بنصف الثمن، ولا يزيد ثمنه على بضعة قروش.
قال لي الكتبي الناصح: إياك أن تفعلها وتترك خدمة «الميري» من أجل هذه الصناعة الملعونة!
صفحه نامشخص