من العيد تعلمنا أن الطفل الصغير «شيء مهم» في البيت، أو أننا نحن بذواتنا «أشياء مهمة » ... لأننا أطفال ...
تبتدئ تهنئات العيد في مدن الريف بعد مغرب الشمس من يوم الوقفة، وتكون مقصورة في ذلك اليوم على الجارات القريبات من المنزل؛ لأن الغالب عليهن أن يذهبن صباح العيد مبكرات إلى «القرافة» لتفريق الصدقة على أرواح الأموات.
وتدخل الجارات واحدة بعد الأخرى يرددن صيغة لا تتغير، تنتهي بهذا الدعاء: ... يعود عليك كل سنة بخير ... أنت وصغيريك وصاحب بيتك والحاضرين والغائبين في حفظ الله.
وقبيل المغرب، تكون عملية التغيير وتوزيع الملابس الجديدة على صغار البيت قد ابتدأت على يد الوالدة في نشاط وسرعة، ولكن - وهذا هو العجب - في غضب وشدة، وأحيانا في سخط وصياح: تعالى يا ولد ... اذهب يا مسخوط ... الحق ادخل الحمام ... مع تسبيحة أو اثنتين من قبيل: إن شاء الله ما لبست ... إن شاء الله ما استحميت!
ولقد تعودنا هذا الموشح كل عيد على قدر ما تعيه الذاكرة في سن الطفولة، وأكثر ما يكون ذلك حين تزدحم الجارات، وحين تكون أقربهن إلى الدار على استعداد للشفاعة، وترديد الجواب المألوف في هذه الأحوال: «بعد الشر ... بعيد عن السامعين!»
وقد خطر لي يوما أن هذا كثير على عملية التغيير، فرفضت الكسوة الجديدة، وذهبت صباح العيد إلى منزل جدتي بثوبي القديم.
وكان من تقاليد العيد أن ترسل رءوس الذبائح إلى الجدات: أم الأب، أو أم الأم، من كانت منهما على قيد الحياة، وأم الأب مفضلة إذا كانت الجدتان تعيشان.
فلما دخلت منزل جدتي «أم أمي» وهي ضريرة: سمعت الأطفال يعجبون لأنني لم ألبس جديدا في العيد، فقربتني الجدة العطوف إليها، وسألت في شيء من اللهفة: ما الخبر يا ولدي؟ لماذا لم تلبس ثوبك الجديد؟ ألم يحضروا لكم ثيابا جديدة؟! - بلى ... إنهم قد أحضروها، ولكنني أبيت أن آخذها من يد بنتك ... لأنها تشتمنا وتزعق فينا ...
فابتسمت وهي تعرف بنتها حق المعرفة، وصاحت: بنتي؟! وكيف كانت القصة؟ فأعدت عليها القصة مرددا كلمات السخط التي أغضبتني، فسألت: أكان أحد من الجيران عندكم في تلك الساعة؟
فحسبت أنها تطلب شهودا على الواقعة، وقلت لها : كثيرات ... فلانة ... وفلانة و...
صفحه نامشخص