وعليك فالتمس الطريقا
واربأ بنفسك أن ترى
إلا عدوا أو صديقا
فأنا أفهم أن يقبل الإنسان نصف صداقة إذا كان مضطرا إليها، وأفهم أن يقبل الإنسان نصف عداوة إذا كان خائفا منها، ولكنه إذا وجد الصداقة كاملة، فلماذا يجمع بينها وبين نصف الصداقة؟ ... وإذا استوجب العداوة كاملة فلماذا يتقيها ويداريها! ...
إن طائفة من الخلق يستبقون العلاقة بينهم مع انقطاع المودة طلبا لدوام المنفعة، فهؤلاء يمثلون ويتاجرون، ولا ضير من التمثيل فنا، ولا من التجارة عملا، ولكن الضير كل الضير من التمثيل في الضمير والاتجار بالعاطفة، ففي هذا من المعابة ما يعاب على المتاجرة بالأجسام والشهوات. •••
وعندي صفة يسميها الشانئون عنادا وتشبثا، ويسميها المحبون عزيمة وصدق إرادة ...
أعترف بأنهم مصيبون في جانب، ومخطئون في جانب ... فقد يبلغ من ضعف إرادتي أحيانا أن أحتال على نفسي كأنها شخص آخر أطلعه على بعض مرادي، وأخفي عنه بعضه، فإذا اعتزمت الإقلاع عن التدخين مثلا قلت لنفسي: اتركيه أسبوعا وانظري ما يكون بعد أسبوع. أقول لها هذا وأنا أنوي أن أتركه أبدا فلا أقطع بهذا الترك دفعة واحدة، ثم أعود بعد أسبوع فأقول لها: إن شيئا تقدرين على تركه أسبوعا لا حاجة إلى احتماله على مضض، ولا حكمة في العودة إليه.
أعترف بهذا وأعترف معه بأنني في المواقف الحاسمة أملي على تلك النفس بعينها شروطا كشرط القائد الذي لا يرحم: العدو أمامك والبحر وراءك ... وافعلي ما تشائين.
ومن لطف الله بالعباد أن هذه المواقف الحاسمة لم تتكرر في حياتي أكثر من خمس مرات أو ست مرات، ولم أندم قط - بحمد الله - مرة في جميع هذه المرات.
أعترف بأنني من الزاهدين في البذخ والحطام، ولكنني أعترف بأنه زهد لا فضل لي فيه؛ لأنه لم يكلفني مشقة المغالبة والمقاومة، فليس في النفس هوى أغالبه وأقاومه، وإنما ألوذ في هذه العصمة بسند واحد، وهو سهولة احتقاري للباذخين ومن ينظر إليهم نظرة الإكبار والإعجاب؛ فهؤلاء وهؤلاء أهون عندي من الهباء.
صفحه نامشخص