لأن جهله هو الذي يعطينا الجديد من مرارته وأسراره، وجهله هو الذي يعطينا أول قطفة من ثماره وأزهاره، وجهله هو الذي يشوقنا إلى غده في كل يوم من أيامه، ويجعل كل يوم من هذه الأيام كأنه يوم «كولمبس» في بحر الظلمات، أو يومه بعد ذلك في العالم الجديد.
والمرء يتمنى ما يجهل، ولا يتمنى ما يعرف، ولو عرفه لما تمناه، ولا وافق مناه؛ لهذا نتمنى الشباب على العلات! ...
ولا يضيرنا أن نكون من الجهلاء! ...
فهل نتمنى الحياة في السبعين؟ ...
كلا ولا كلام ... ولا نتمناها في السبعين بل نتمناها في العشرين وفي الثلاثين ونتمناها كلما جهلناها أو عرفناها على الظن لا على التحقيق.
أما في السبعين - وأنت في السبعين - فالتمني كلمة كبيرة عليها، وعلى كل شيء تعرفه قبلها وبعدها.
التمني كلمة كبيرة جدا على المقام أو على المناسبة، ولا بد لها من تواضع كثير قبل الطمأنينة والاستقرار، فحسبها أن تهبط من هذه العلياء إلى الوادي المطمئن بين القمتين! •••
حسبها أن تهبط إلى وادي الرضا والقبول، فقد يكون الرضى بها غاية ما تستحقه من صاحبها، على اضطرار وعلى اختيار!
هل ترضى الحياة في السبعين؟ ... نعم ... فيها ما نرتضيه ولا ريب، وفيها البديل الصالح أحيانا مما فقدناه في العشرين ، ولم نجده في الثلاثين، ومما فقدناه في الثلاثين ولم نجده في الأربعين، ومما فقدناه ونفقده في كل سن ولا نجده ...
فيها بديل بالرضى المعلوم عن الأمل الموهوم، وقد يكون الرضى بما تعلم بديلا صالحا من كل ما نرجو ونتوهم، ثم تندم عليه ولات مندم!
صفحه نامشخص