106

وقد ترى الطفل يؤجر على تجرع الدواء، ويساق إليه بالحيلة والإغراء؛ لأنه لا يعرف ما هو الداء، ولا ما هو الدواء ...

ولكنك تنتظره سنوات حتى يعرف هذا وذاك فإذا هو يبذل الأجر لمن يعطيه الدواء، ويسعى إليه عند الأطباء في أبعد الأرجاء، وما تغير طعم الدواء، ولا تغير عمله، ولا تغيرت الحاجة إليه، ولكن تغير شعور الطفل بالصحة الجسدية، وتغير شعوره بالواجب عليه لتصحيح جسده، وتغير فهمه «للكمال» في عالم الأجساد. •••

وهناك عالم للضمائر، وعالم للأفكار، وعالم للأذواق والأخلاق، كما هناك عالم للأجساد، وهناك أطفال في هذه العوالم كما هناك أطفال في ذاك.

وهؤلاء الأطفال هم الذين يقبلون الصحة؛ لأنهم يثابون عليها، ويتجرعون الدواء؛ لأنهم يساقون إليه، فدعهم حتى يكبروا في أعمار العقل، أو في أعمار الضمير، ولا تتكلف أن تعرض عليهم الدواء، أو تلحف عليهم في تعاطيه؛ لأنهم ينشدونه حيث كان، ويبذلون فيه أغلى الأثمان ...

في عالم الأخلاق لا باعث إلى الخير أقوى من شعور الإنسان بكماله، ولا وازع عن الشر أقوى من شعور الإنسان بنقصه، ولا أخلاق لمن يحسن؛ لأنه يؤجر على الإحسان، أو يسيء لأنه في أمان.

فساعة من الغبطة ببلوغ الكمال هي غاية ما تصبو إليه النفس من مراتب السعادة، وساعة من تبكيت الضمير على النقص هي غاية ما تنحدر إليه النفس من الشقاء.

وإيماني في المعاملات أن الطيبة موجودة في الطبيعة الإنسانية، ولكنك لا تجدها في كل إنسان ولا تجدها في جميع الأوقات ...

ولكنك إذا بحثت عن المعين لم تضمن وجوده حين تريده، وإذا وجدته حين أردته لم تضمن أن يوافقك على رأيك ويساعدك على قصدك، فلعله يعين إذا اعتقد وجه الصلاح في العمل الذي يدعى إليه، ولعله لا يعتقد اعتقادك فيما ترى من الصلاح. •••

فلا تقنط من طيبة الناس كل القنوط، ولا تعول عليها كل التعويل، بل أحسن الظن بالناس كأنهم كلهم خير، واعتمد على نفسك كأنه لا خير في الناس.

وقديما قلت:

صفحه نامشخص