وخيل إلي أن بسمته تحمل معنى رقيقا من السخرية، ولم أفطن إلا في تلك اللحظة إلى الخطأ الذي ارتكبته عندما جئت بالشرنوبي معي. أليس معنى هذا أنه لم يقبض مني ثمن قطنه بعد؟ أليس معنى هذا أنني لم أكن بعد تاجرا يشتري الخمسين قنطارا ويدفع ثمنها مقدما؟ واعتراني شيء من الارتباك والخجل ولكني جاهدت أن أكون طبيعيا.
وأتم السيد أحمد جلال ضربته بأن فتح الخزانة وأخرج منها ست ورقات من ذوات المائة جنيه ودسها في يدي هامسا: تحت الحساب يا سيد أفندي.
وأحسست الحرارة في أذني ووجهي، واستأذنت خارجا مع صاحبي وقلت للسيد أحمد: إني عائد بعد ساعة.
وعدت إلى المحلج بعد أن شيعت صاحبي إلى المحطة، فوجدت السيد أحمد مشغولا مع عملائه، فلم يلتفت إلي إلا بنظرة باسمة قصيرة، وجلست في ركن من الحجرة حتى يفرغ، وانصرفت بذهني أتأمل طريقته في المعاملة والحديث، كأني أقرأ درسا جديدا، وعدت أسأل نفسي أي فرق بين هذا الرجل وبين حمادة؟ ما الفرق بين الذهب والنحاس وكلاهما معدن؟ وجاء دوري بعد حين فمد السيد يده نحوي بوثيقة بين إصبعيه السبابة والوسطى قائلا: كم الباقي؟
وقرأت الورقة وكان وزن القطن مكتوبا عليه: ثمانية وأربعون قنطارا ونصف.
فصحت صيحة مكتومة: هي خمسون قنطارا.
فقال هادئا: هذا هو الوزن الرسمي.
ولولا أني دفعت إلى الشرنوبي بقية ثمن قطنه لما ترددت في استرجاع القطن؛ لأني كنت واثقا أن وزنه لا يقل عن خمسين قنطارا وافية .
وقال السيد أحمد وهو يفتح الخزانة: يبقى لك مائة وسبعة وعشرون جنيها ونصف. أليس كذلك؟
فلم أجبه ولكن ذلك لم يمنعه من عد النقود ووضعها أمامي.
صفحه نامشخص