يا قيس، فقال قيس: رويدا يعلون الجدد «١» - الجدد: الأرض الغليظة، فأرسلها مثلا، لأن الذكور في الوعوث أبقى وأصبر من الإناث، والإناث في الجدد أصبر وأسبق.
وقد جعل بنو فزارة كمينا بالثنية فاستقبلوا داحسا فعرفوه فأمسكوه، وهو السابق، ولم يعرفوا الغبراء وهي خلفه مصلّية، حتى مضت الخيل وأسهلت من الثنية، ثم أرسلوه فتمطّر «٢» في آثارها فجعل يندرها «٣» فرسا فرسا حتى انتهى «٤» إلى الغاية مصليا وقد طرح الخيل غير الغبراء، ولو تباعدت الغاية لسبقها، فاستقبلها بنو فزارة فلطموها ثم حلأوها «٥» عن البركة، ثم لطموا داحسا وقد جاءا متواليين، وكان الذي لطمه عمير بن نضلة فجفّت يده فسمي جاسئا، فجاء قيس وحذيفة في أخرى الناس، وقد دفعتهم بنو فزارة عن سبقهم ولطموا فرسيهم، ولو تطيقهم بنو عبس لقاتلوهم، وإنما كان «٦» من شهد ذلك من بني عبس أبياتا «٧» وقال قيس إنه لا يأتي قوم إلى قومهم شرا من الظلم فأعطونا حقنا، فأبى بنو فزارة أن يعطوهم شيئا، وكان الخطر عشرين من الإبل، فقالت بنو عبس: فأعطوا «٨» بعض سبقنا، فأبوا، قالوا: فأعطونا جزورا ننحرها ونطعمها أهل الماء فإنا نكره القالة في العرب، فقال رجل من بني فزارة: مائة جزور وجزور واحد سواء، والله ما كنا لنقرّ لك في السبق ولم تسبق «٩» فقام رجل من بني مازن بن فزارة فقال: يا قوم إن قيسا قد كان كارها لأول هذا الرهان، وقد أحسن في آخره، وإنّ الظلم لا ينتهي إلا إلى شرّ، فأعطوه جزورا من نعمكم، فأبوا فقام رجل من بني فزارة إلى جزور من إبله فعلقها ليعطيها قيسا ويرضيه، فقام ابنه فقال: إنك لكثير الخطأ تريد أن تخالف قومك وتلحق بهم ما ليس عليهم «١٠»، فأطلق الغلام عقالها فلحقت بالنعم، فلما رأى ذلك قيس بن زهير احتمل هو عنهم ومن كان معه من بني عبس، فأتى على ذلك ما شاء الله.
ثم إن قيسا أغار فلقي عوف بن بدر فقتله وأخذ إبله، فبلغ ذلك بني فزارة وهمّوا بالقتال وغضبوا، فحمل الربيع بن
1 / 55