فأغيروا؛ فانطلق حتى أتى الرعاء فلم يزل يتسقطهم حتى أخبروه بمكان الحيّ، فإذا هم بعيد إن طلبوا لم يدركوا، فقال لهم السليك: ألا أغنيكم؟ فقالوا: بلى، فتغنى بأعلى صوته فقال «١»:
يا صاحبيّ الا لا حيّ بالوادي ... إلا عبيد وآم بين أذواد
آم: جمع أمة إلى العشر، ثم إماء لما بعد العشر.
أتنظران قليلا ريث غفلتهم ... أم تعدوان فإن الريح للعادي «٢»
فلما سمعا ذلك أتيا السليك فاطردوا الإبل فذهبوا بها فلم يبلغ الصريخ إلى الحيّ حتى مضوا بما معهم.
وزعموا أن السليك خرج ومعه عمرو وعاصم ابنا سري بن الحارث بن امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم يريد أن يغير في أناس من أصحابه، فمر على بني شيبان «٣» في ربيع والناس مخصبون في عشية فيها ضباب ومطر، فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت عظيم، وقد أمسى، فقال لأصحابه: كونوا بمكان كذا وكذا حتى آتي أهل هذا البيت فلعلي أصيب لكم خيرا أو آتيكم بطعام، قالوا: فافعل، فانطلق وقد أمسى وجنّ عليه الليل، فإذا البيت بيت يزيد بن رويم الشيباني، وهو جد حوشب بن يزيد [بن الحارث بن يزيد] بن رويم، وإذا الشيخ وامرأته بفناء البيت، فأتى السليك البيت من مؤخره فدخله، فلم يلبث أن أراح ابن له ابله، فلما أن أراحها غضب الشيخ وقال لابنه: هلا كنت عشيتها ساعة من الليل؟! فقال ابنه: إنها أبت العشاء، فقال: العاشية تهيج الآبية «٤» فأرسلها مثلا.
العاشية: التي تتعشى، تهيج بي العشاء فيتعشى معها.
ثم غضب الشيخ فنفض ثوبه «٥» في وجوهها فرجعت إلى مرتعها وتبعها الشيخ حتى مالت لأدنى روضة فرتعت فيها، وجلس الشيخ عندها للعشاء فغطى وجهه في ثوبه من البرد، وتبعه السليك، فلما وجد الشيخ مغترا ختله من ورائه ثم ضربه فأطار رأسه وصاح بالإبل فاطردها، فلم يشعر أصحابه- وقد ساء ظنهم به وتخوفوا عليه- حتى إذا هم بالسليك يطردها، فطردوها معه فقال السليك «٦»:
1 / 37