أكانوا من ملازمي حضرة سيف الدولة أم لم يكونوا، وكانت حال شعراء الشام في ذلك عنده حال الشعراء الطارئين عليها، فلقي ابن الكاتب الشاميّ، وأبا الفرج العجليّ، وأبا الحسين الناشيء الأصغر، والخليع الشاميّ، وأبا طالب الرّقّي، وأبا الحسن عليّ بن أحمد التلّعفري [٣٤]، ينشدونه أشعارهم بعضهم [٣٥] . وكان من أثر كلّ ذلك في نفسه أن قال بعد أن صار إلى ما هو عليه شعرا وأدبا وعلما: وما «بلغ هذا المبلغ بي إلّا تلك الطرائف الشاميّة، واللطائف الحلبيّة التي علقت بحفظي، وامتزجت بأجزاء نفسي» [٣٦] .
وينبغي لنا ألّا نتصور أن إقامة أبي بكر- وهو في عنفوان شبابه- في العراق والشام كانت جدّا كلها، فقد غشي مجالس المغنين، واختلط بالشطّار والعيّارين، وداخل مجتمعيهما مداخله أهّلته أن يؤلّف- فيما بعد- هذا الكتاب الذي قال عنه إنه «التقط من أفواه الشطار والعيّارين، جمع في مجالس المغنّين والمضحكين ... وسمع أكثر ما فيه من أفواه السؤّال والسّابلة» [٣٧] .
وينبغي لنا أيضا ألا نتصور أن أبابكر قد حظي من المكانة في الشام بما يغريه أن يقيم فيها، إذ لم تكن سنّة أو شعره أو أدبه مما يؤهّله
_________
[٣٤] ينظر اليتيمة ١: ١٢٠، ١٢٢، ٢٤٨، ٢٨٧، ٢٩٨، ٣٠٠.
[٣٥] كان ينفرد برواية أشعار أبي طالب الرّقي- ينظر السابق ١: ٢٩٨.
[٣٦] السابق ١: ٢٦.
[٣٧] مقدّمة الأمثال: ٢.
1 / 17