امیره ذات الهمه
الأميرة ذات الهمة: أطول سيرة عربية في التاريخ
ژانرها
ورغم الأحزان القائمة التي حطت على ذات الهمة وهارون الرشيد وأبو محمد البطال، على افتقادهم لإقدام وبأس الأمير عبد الوهاب، إلا أنهم واصلوا الصمود والتقدم الحثيث على مختلف الجبهات المتعارضة التي خططت لها وافتتحتها جيوش الأروام، بعد أن أسكرها النصر المعجل.
إلا أن الدلهمة لم تستسلم لحظة في مواجهتهم، بل واصلت وضع الخطط المضادة، فما إن خرج هارون الرشيد ليسترد «عمورية» التي سقطت بأيدي الأروام، وعرج عائدا بفيالقه على مالطة، حتى استقبلته ذات الهمة بخمسة عشر ألف رأس من رءوس قتلى أعدائها الأروام غير الأسرى في الأصفاد، برغم ما اعتراها من تمزق وأسى لجراح ولدها عبد الوهاب؛ وذلك برغم ضراوة ما كان يحاك ضدها في الخفاء - ودون أدنى اعتبار لمتطلبات الحرب - من مؤامرات وفتن من جانب عمها ظالم، وابنه الحارث، وقاضي القضاة عقبة بن مصعب، المفوض من قبل أمير المؤمنين الخليفة الهادي وأقرب مقربيه، حتى إنها واجهت هارون الرشيد محتدمة بالغضب في وجهه وهي تلقي بأحمال رءوس قتلاها عند قدميه قائلة: «أقسم بمن أنشأ الأنام، وفرض الحج والصيام، لولا خوفي على ثغور الإسلام من الكفرة اللئام؛ لرحلت إلى أي موضع كان، ولا أصبر على الذل والهوان.»
وهدأ الرشيد من روعها وهو يزف إليها تقارير حكمائه وأطبائه الأخيرة، التي وصلته عاجلا بتماثل الأمير عبد الوهاب للشفاء من جراحة البليغة.
وافترقا على أمل اللقاء في القسطنطينية؛ حيث واصل هارون الرشيد - الذي تضفي عليه السيرة أنه كان أشجع بني العباس - تقدمه لملاقاة جيوش الأروام، إلا أن الجيش العربي انكسر أمام جحافل الزحف البيزنطي عنوة من جديد.
إلى أن حلت عدة مفاجآت غير متوقعة مع حلول الظلام، حين تحركت الجيوش البيزنطية عائدة من حيث أقبلت، فظن الرشيد وجنده، ونتيجة لهول المفاجأة بالانسحاب - غير المبرر أو المتوقع - أن الأروام عادوا أدراجهم باتجاه العاصمة البيزنطية «القسطنطينية» لحمايتها في وجه تقدم ذات الهمة وابنها عبد الوهاب، الذي آثر التماثل للشفاء من جراحه في الجهاد ووهجه المحتدم، برغم محاولات البطال وذات الهمة لثنيه عن المنازلة لحين تضميد الجراح البليغة.
بينما حقيقة الأمر المخالف للتقدير العربي الخاطئ أن البيزنطيين واصلوا تقدمهم لتحرير أسراهم، ومواصلة التقدم عبر البسفور باتجاه العراق ذاته، بل وعاصمته الجديدة بغداد؛ لاقتحامها وإسقاطها بعد أن أعمى عيونهم النصر المرحلي غير المتوقع.
وهو عكس ما تبادر إلى ذهن الرشيد وجنده، الذين استعجلوا - بدورهم - انتصارهم، حتى إن هارون الرشيد مضى من فوره في توزيع الغنائم والأسلاب من الذهب والفضة؛ «تصدقا بعشرة آلاف دينار على الفقراء وأبناء القتلى والشهداء»، ودون إدراك صحيح للرشيد لهدف الأروام وخطتهم؛ نتيجة
ومن هنا سار الجيشان - العربي والرومي - في طريقين متعارضين؛ حيث انقسم التحالف العربي إلى قسمين أو جيشين؛ فبينما آثرت فيالق الرشيد - وغالبيتهم من جيش العراق - البقاء في مالطة وبقية الثغور المحررة على طول «مسبوتاميا» - أو آسيا الصغرى - وشواطئ وثغور البحر الأبيض المتوسط بعامة؛ لإعادة استردادها من أيدي البيزنطيين، ولتعود كما كانت في موقع الحصون المنيعة في أيدي العرب.
وهنا تحركت فيالق ذات الهمة والأمير عبد الوهاب وأبو محمد البطال باتجاه القسطنطينية، التي أكدت معلومات البطال وبصاصيه خلوها من أي حماية تذكر.
أما التحالف البيزنطي الرومي؛ فإنه بدوره انقسم إلى جيشين مستقلين؛ حيث واصل جيشه الأكبر الزحف باتجاه العراق ووادي الرافدين، بينما عادت حامية منه محملة بأسلاب الأسرى العرب، راجعة أدراجها إلى القسطنطينية لتشديد حمايتها، توجسا من زحف ذات الهمة وابنها الأمير عبد الوهاب، الذي كان قد تحامل عائدا إلى موقعه كرأس للجيش العربي، متوثب الذكاء والموهبة في وضع الخطط، التي كانت تلقي بكل مفاجأة وفزع في صفوف الأروام.
صفحه نامشخص