امیره ذات الهمه
الأميرة ذات الهمة: أطول سيرة عربية في التاريخ
ژانرها
تصنع قحطبة أنه لم يسمع جيدا ما ذكره الإمام، محاولا في غيبة من الحراس المتصنتين لكل ما يجري بينهما داخل المطمورة الموحشة، التي زج فيها بالإمام الأكبر، معاودا الصياح والولولة دفاعا عن حقوقه، وتلك «الأمانة» التي هي محصلة شقاء العمر من كد وكدح، والتي سبق لقحطبة أن أسلمها له كاملة لحين عودته من زيارة قبر رسول الله، ليجد أنه لم يحفظها له، بل هو أسلمها لآخر ربما رفض تسليمها وردها إليه، وهو صاحبها الفقير لله، والتي حفظها لأولاده، معاودا الصياح وتصنع البكاء سائلا: وديعتي عند ابن الحارثة، وأين لي بابن الحارثة؟ هل هذا يصح يا سيدنا؟ إن وديعتي أمانة في عنقك قبل أي شيء.
فأعاد الإمام الأكبر تأكيد مقولته ... وقد تفهم ألاعيب الرسول قحطبة، ذاكرا في تأكيد هذه المرة: هي عند ابن الحارثة ... فامض إليه.
وحين حاول قحطبة معاودة الصراخ وتصنع النحيب وهو يدق جدران سجن الإمام الأصم: أهكذا تهدر الأمانة؟ يا عالم ... يا هوه، تدخل الحراس من فورهم ، فجروا قحطبة في عنف ليصعدوا به سلالم الدرج الحجرية، وليعودوا من فورهم لإخبار الخليفة بما سمعوه ورصدته عيونهم.
أما قحطبة - وكان ماهرا في التنكر واختلاق الألاعيب - فعاد من فوره يتوسل إلى الحراس لتذليل مقابلته للخليفة وشكره، وتقديم شكواه ضد ذلك الشيخ المسن المعتوه الذي أفقده حقه ووديعته، بإيداعها عند آخر بدلا من ردها لأولاده وقبيلته.
فنهره الحراس من فورهم طالبين إبعاده، ذاكرين أن لا حاجة لهم في ذلك ... وإذا استعصى الأمر فليتوجه بشكواه للقضاء بدلا من إشغال وقت أمير المؤمنين.
وما إن تنفس قحطبة الهواء النقي في شوارع دمشق وباحاتها حتى اندفع من فوره ممتطيا صهوة جواده، مطلقا العنان لأفكاره، بعد أن وفق في تحقيق مأربه، متخذا طريقه قفزا إلى سمراء - أو سر من رأى - مفضيا إلى بائع حلوى البقلاوة، الذي بداره الإمامان: السفاح والمنصور، فأغلق حانوته واقتاده في حذر إلى سردابهما، حتى إذا ما وصل إليهما واجههما سائلا: من منكما صاحب العلامة؟
فوثب السفاح كاشفا من فوره عن خاصرته اليمنى، وإذا عليها شامة سوداء.
هنا بايعه الجميع.
وهكذا رجع الرسول من فوره إلى حيث مضارب أبي مسلم الخراساني، فأخبره بما حدث،
واحتاروا في اتخاذ قرار الخروج سرا أم على رءوس الأشهاد.
صفحه نامشخص