وبينما هم كذلك إذا بمخارق المغني يدخل وهو يترنم، فدعاه إبراهيم للغناء، فأبى وأبى الحاضرون إلا أن يسمعوا أمير الغناء إبراهيم، فنادى جاريته فأحضرت آلات الموسيقى، وجلس إبراهيم وحوله بعض جواريه يغني في قول أبي العتاهية:
قال لي أحمد ولم يدر ما بي
أتحب الغداة عتبة حقا
فتنفست ثم قلت نعم حب
جرى في العروق عرقا فعرقا
فطرب الحاضرون حتى خيل لهم أن الدار تهتز طربا، وأن الإيوان يسير بهم سيرا، فلما فرغ تقدم منه مخارق وقبل يده وقال: جعلني الله فداءك يا سيدي، هذا هو الغناء، فأين أنا منك؟
فقال إبراهيم: لولا أني أرفع نفسي عن هذه الصناعة لأظهرت فيها ما يعلم الناس معه أنهم لم يروا مثلي.
ونهض القوم، وانفض المجلس، ودخل إبراهيم إلى مخدعه. وكان أحمد بن أبي خالد قد وكل به كبرى جواريه لتوفيه حقه في الخدمة والإعظام، وكانت تدعى «ميمونة»، وهي من خيرة الجواري الحسان، فأقبلت تسأله في رشاقة ولطف هل من حاجة لسيدها، كما تفعل كل يوم، فقد عنيت بخدمته وراحته واطمئنانه حتى جل مقدارها عنده وأحبها. فقال لها: نعم لي حاجة أيتها المليحة الحسناء.
قالت في استحياء: وما هي يا سيدي؟
قال: أن تناوليني هذه الكأس.
صفحه نامشخص