فانتهرته أم يوسف وقالت: اسكت يا خبيث، وخلنا من لسانك ولا تذكر مسألة الجن، فإن الست سلمى لا تصدق بالجن ولا بالعفاريت.
فقالت الأميرة صفا: دعونا من سير الجن والعفاريت، فإني خفت في المرة الماضية، ولم أنم طول الليل.
فقال القزم: الحق في يد الست صفا، وأنا أخاف من الجن لئلا تخطفني، على فيقة يا ست هند أتاكم ضيوف من أولاد عمكم ملئوا الدار.
فقالت: قبحك الله على هذه البشارة، نحن نهرب من الناس والناس تلحقنا.
فقال: إذا أردت أن تتخلصي منهم، فلا أسهل من ذلك؛ ديني الفقير منهم فلا تعودي ترين وجهه، واطلبي من الغني أن يدينك فلا يعود يرى وجهك!
فقالت: أصبت، وإن كان فراق البدوي بعبا، فلا كان البدوي ولا كانت العبا.
وقبل أن تتم كلامها وصل الأمير أحمد والسر هنري والرجال الثلاثة الذين معهم، فاضطربت الأميرات لما رأين رجلا بثياب إفرنجية، ولكن لم يطل اضطرابهن؛ لأن الأمير أحمد كان قد أخبرهن أنه لقي في بيروت عند القنصل شابا إنكليزيا من عائلة شريفة، وأنه وعده بزيارة الشويفات بعد أيام قليلة، فلما رأينه أدركن حالا أنه هو الشاب الذي أخبرهن عنه، وتقدم الأمير أحمد وعرفهن به.
فنظرت إليه الأميرات معجبات من جمال طلعته، واعتدال قامته، ونظر هو إليهن فرأى الجمال الشرقي الذي قرأ عنه في حكاية ألف ليلة وليلة وكتب الروايات والرحلات ، وكان يظن أنه من قبيل الشعر والمبالغات.
ودعتهما الأميرة هند للجلوس معهن وشرب القهوة، وقدمت لها السكاير، وسألت السر هنري عن كيف رأى البلاد، وعما إذا كان معه أحد من أهله، وطلبت إليه أن يزورهم ويضيفهم تلك الليلة، وكان الأمير أحمد يترجم بينها وبينه، فأجابها السر هنري أنه آسف؛ لأنه ثقل عليهن بمجيئه إليهن في تلك الساعة، ولكنه سر جدا برؤية الأميرات الشهابيات، وأنه كان يحسب أنهن يتحجبن مثل سائر نساء الجبل، فإذا هن مثل الأميرات في بلاده؛ لا يحرمن مخلوقات الله من نظرهن، كما لا تحرم الشمس النبات من باهر أشعتها.
فسرت الأميرة هند بهذا التشبيه، ونظرت صفا وسلمى إليه باسمتين ثم أطرقتا حياء، أما القزم فكان يتأخر إلى الوراء رويدا رويدا وهو يزور بعينيه ويقلب شفتيه، والتفت إليه الأمير أحمد وقال له: مالي أراك تهرب منا يا عنتر؟!
صفحه نامشخص