فقال: «وأنت أيضا تدعوني ملفانا؟» وضحك.
فقال: «إنك تبقى ملفانا حتى تنتهي مهمتنا من هذه الديار ونبلغ غايتنا. قل ما وراءك؟»
قال: «جئتك بخبر مهم لم يطلع عليه أحد في هذه المدينة، ولو عرفه أهلها لقاموا وقعدوا وتغيرت أحوالهم، فضحك قوم وبكى آخرون.»
فتنحنح الطبيب ونظر إلى سلمان بعينين حادتين، كأنه يخترق أحشاءه ويستطلع خفايا قلبه ، وقال: «هل عندك غير خبر موت الرشيد؟»
فأجفل وقال: «وهل عرفت ذلك؟ يا ألله! كيف عرفته وقد جاء الساعة ولم يعلم به أحد إلا صاحب البريد. ولو لم أشاهد اللوح النحاسي الذي يحمله سعاة البريد معلقا بالشرابة على صدره لما صدقته. فكيف عرفته؟»
قال: «عرفته ولم أر اللوح النحاسي ولا تحققت صدق الساعي. إن الرشيد مات يا سلمان، فهل عرفت خبرا غير هذا؟»
قال: «وهل هناك ما هو أهم من هذا الخبر؟ لقد أذهبت سعيي عبثا وكنت أحسبني جئتك بخبر تغبطني عليه، وأنا إنما عرفته اتفاقا وقد كلفني سبيكة من الذهب! إني لا أزال قليل النفع لك.»
قال الطبيب: «بل أنت كثير النفع لا يستغنى عن ذكائك ونشاطك، ويكفينا أنك تكشف لنا عن أغراض العامة وأقوالهم والعيارين ومقارفتهم.»
فقال: «ليس هذا مما يؤبه له، وأظنك عالما بالغيب فقل ما عندك مما يفوق موت الرشيد خطرا.»
قال: «أخطر منه ما أتاه أصحابه؛ فقد خلعوا المأمون ونكثوا البيعة له بعد أخيه. وسترى عاقبة ذلك عليهم.»
صفحه نامشخص