قال: «هل تحبين بهزاد كثيرا؟»
فتوردت وجنتاها فجأة، وأطرقت حياء فابتدرها قائلا: «لا ينبغي أن تستحيي مني، قولي.»
فتنهدت وظلت مطرقة ولم تجب. فأجابت عبادة عنها وقالت: «أظن رئيس المنجمين فهم جوابها دون أن تنطق به؟»
فوجه خطابه إلى العجوز وقال: «وهل أنت لا تزالين تعرفين الحب ودلائله رغم ما مر بك من الأهوال؟»
فلم تستغرب عبادة إشارته إلى حالها بعد ما بلغها من إعجازه في كشف الضمائر فسكتت؛ فالتفت إلى ميمونة ويده على لحيته يمشطها بأنامله وقال: «قد علمت أنك تحبين بهزاد، ولكن هل هو يحبك؟»
فرفعت كتفيها وهي مطرقة كأنها تقول: «لا أعلم.»
فابتدرها قائلا: «لو كان يحبك لم يتركك في هذا القصر ويذهب، وقد تبقين فيه العمر. وقد دبرت لك سبيلا للنجاة، فإذا أطعتني أفلحت.»
قالت: «إني رهن أمرك يا سيدي.»
قال: «إني أعرف شابا هو خير شبان بغداد وأكبر وجيه فيهم، يحبك حبا مبرحا وأنت لا تحبينه.» وتوقف عن الكلام، فأدركت أنه يشير إلى ابن الفضل، فأظهرت الاشمئزاز والتفتت إلى جدتها كأنها تكلفها أن تجيب عنها، فهمت عبادة بالكلام، فقطع سعدون كلامها قائلا: «إني أعرف الجواب، ولكن رفضك لا ينفعك؛ لأن الرجل صاحب النفوذ الأكبر، وإذا طلب من أمير المؤمنين دفعك إليه فأجدر بك أن تقبلي راضية. وهذه نصيحتي؛ فإن بهزاد بعيد، ومن يدري فقد لا ترينه بعد.»
فضاق صدر ميمونة عند ذلك وانحبست عواطفها ولم تستطع أن تمسك عن البكاء، فنهضت عبادة وقالت كمن يستغيث: «أما وقد اطلعت على سرنا وعرفت حقيقة حالنا، فأتوسل إليك أن تكون عونا لنا لا علينا.»
صفحه نامشخص