فالتفتت إلى الأمين ولسان حالها يقول: «ألم أقل لك بادر إلى خلعه قبل أن يخلعك؟»
فقال الأمين: «وقد أشار وزيرنا الفضل بخلع عبد الله، فإذا لم يذعن حملنا عليه بالجيوش، فهل نغلب؟»
فتناول الكتاب ثانية وقلب عدة صفحات ثم قرأ ونظر إلى السماء من نافذة في تلك القاعة، وأخرج قلما من منطقته وغطسه في المداد وكتب وحسب ثم قال: «قلت لمولاي إن علم المستقبل عند الله وليس لي. ولكن يظهر لي من هذا الحساب أن الفئة التي فيها الفضل هي الغالبة بإذن الله.»
فازداد الأمين اعتقادا بضرورة الخلع ، فأثنى خيرا على الملفان سعدون وأمر له بجائزة، فعلم هذا أن قد آن له أن ينصرف فجمع أوراقه وأدواته واستأذن وخرج.
ثم نهضت زبيدة للذهاب، فأتتها المواشط فألبسنها ما خلعته عند وصولها. ولما ودعت ابنها نصحت له بأن يأتي للإقامة بقصر الخلد قريبا منها؛ فوعدها بذلك فعادت بموكبها إلى دار القرار.
وأقر الأمين بعد ذهابها خلع أخيه وتولية ابنه موسى، وبعث إلى خراسان بذلك كما تقدم. ثم جند جندا أراد أن يجعل الفضل قائدا عليه. ولكن هذا رغبه في ابن ماهان ففعل، وخرج الجند لمقاتلة طاهر بن الحسين في الري، وبعد إرسال الجند انتقل الأمين إلى قصر الخلد ونقل معه بطانته. أما ميمونة وسعدون فأبقاهما وأمر بالاحتفاظ بهما. •••
كانت ميمونة قد خرجت من حضرة الأمين وهي ترقص فرحا ودهشة حتى أتت جدتها وكانت تنتظرها على مثل الجمر، فقصت عليها ما جرى وأثنت على مهارة رئيس المنجمين، فاستغربت عبادة ما سمعته وقالت: «جزاه الله خيرا، إن الله سخره لإنقاذنا من هذا الخطر العظيم، ولولاه ما رضيت تلك الملكة الظالمة بغير قتلنا.»
فقالت ميمونة: «وقد تخلى سلمان عنا فأرسل الله لنا من يأخذ بيدنا، إنه سبحانه لا يترك المظلوم حتى ينصره.»
ومكثتا في ذلك القصر بعد انتقال الأمين إلى قصر الخلد لا يعلمان شيئا مما يجري من شئون السياسة، وفقدت ميمونة تسليتها بفقدها كتاب بهزاد، ولما طال غياب سلمان عنها كادت تنساه لولا ارتباط ذكره بذكر بهزاد. وكيف تنساه وهو خليفة بهزاد عليها وقد حمل إليها كتابه؟ وكانت في شوق كثير لمعرفة مكان حبيبها لتطلعه على حالها لعله يسعى في إنقاذها. وأنى لها ذلك وهي محبوسة بين أربعة جدران لا تسمع خبرا ولا ترى رجلا. وكانت عبادة تحاول التخفيف عنها جهد طاقتها.
وفيما هما جالستان ذات يوم جاءتهما قهرمانة القصر تقول: «إن رئيس المنجمين يطلب مشاهدة ميمونة.» فبغتت الفتاة وصعد الدم إلى وجهها وقالت: «ما شأننا معه؟»
صفحه نامشخص