فابتسمت والغضب باد في عينيها وقالت: «خيرا إن شاء الله! ولكني جئتك لأمر آخر يهمني ويهمك!»
فاهتم الأمين وقال: «وما ذلك يا أماه؟»
قالت: «ألا تزال تلك الفتاة الضالة عندك؟»
فقال: «أية فتاة؟» قالت: «أعني ابنة عدونا الذي تعمد خلعك من ولاية العهد، وأغرى أباك الرشيد بمبايعة ابن مراجل.»
فأدرك أنها تعني ميمونة بنت جعفر فقال: «نعم يا سيدتي، لا تزال بين جواري القصر.»
قالت: «وكيف أبقيتها ولم تخف شرها؟»
قال: «لأني وجدتها يتيمة مسكينة لا ضرر منها، وقد أوصتني ابنة أخي بها خيرا بعد أن أبيت إطلاق سبيلها لأبقيها هنا اتقاء ما نخشاه منها.»
قالت: «يتيمة مسكينة؟! تبا لها من خائنة غادرة! وأغرب من ذلك أن تقبل شفاعة ابنة أخيك، وأخوك أشد عداء لك من أعدائك! ألم يستعن عليك بالخراسانيين؟ وإذا أتيح له أن يخلعك عن هذا العرش ألا تظنه يفعل؟ ومن أوجد هذا الغرور في نفسه، أليس هو جعفر بن يحيى أبا هذه الفتاة؟ لقد كان أبوك رحمه الله أدرى منك بأقدار الرجال فقتله شر قتلة، ولو لم يبادر إلى قتله ما جلست أنت هذا المجلس، فكيف تقول بعد ذلك إنها يتيمة مسكينة وإن ابنة أخيك أوصتك بها خيرا؟ إن أخاك قد غلب فيه دم الفرس على دم الهاشميين فأخذ من أمه مراجل أكثر مما أخذ من أبيه الرشيد؛ فتراه يستعين بأخواله علينا.»
قالت ذلك وقد حمي غضبها وامتقع لونها وذهب احمرار شفتيها وتورد وجنتيها، ووافق ذلك ما يجول في خاطره من خلع أخيه فأراد أن يجعل ذلك برأيها فقال: «ألم يكن أبي قد بايع لي ولأخي عبد الله بالخلافة بعهد علقه على الكعبة؟»
فقطعت كلامه وقالت وصوتها يخنقه الحنق: «لا قيمة لذلك العهد لأنه كتب بإغراء الوزير الخائن رغبة في إخراج الخلافة من بني هاشم عن طريق أخيك هذا، وهل يصلح أبناء الجواري للخلافة إذا وجد أبناء الأحرار؟ أيقاس ابن الجارية مراجل بابن زبيدة بنت جعفر؟ أتعلم من هي مراجل وكيف اتصلت بأبيك حتى ولدت عبد الله؟»
صفحه نامشخص