ثم تحرك المأمون، فعلم أهل المجلس أن قد آن لهم أن ينصرفوا، فنهضوا وبهزاد أكثرهم رغبة في القيام ليبلغ الفضل رأي أمه في البيعة لأحد العلويين على أن يجعل ذلك شرطا من شروط نصرة المأمون.
فصبر بهزاد حتى رجع الفضل إلى منزله فتعقبه وطلب الخلوة به، فلما خلوا بدأ بهزاد في الثناء على ما أبداه الفضل من الرأي الصائب في المجلس، ثم مد يده ودفع إليه كتاب سلمان وقال: «اقرأ هذا الكتاب.»
فقرأه ولم يأت على آخره حتى غلب عليه الضحك وقال: «إذا صح ظن سلمان، وعهد الأمين بقيادة جنده إلى ابن ماهان، كان ذلك غاية توفيقنا، وهذا ما كنت أتمناه وأسعى إليه؛ لأن ابن ماهان - فضلا عن غروره وضعفه - تولى خراسان أيام الرشيد وأساء السيرة في أهلها وظلمهم؛ فعزله الرشيد لذلك ونفر أهل هذه البلاد منه وأبغضوه، فإذا حاربوه يحاربونه وهم ناقمون عليه. وهو يظن أهل خراسان يحبونه لأن بعضهم خدعه بكتب بعثوا بها إليه يعدونه إذا جاءهم بأن يستسلموا إليه. وهذا ما كنت أتمناه منذ بدأ الخلاف بين الأخوين.»
فقال بهزاد: «ماذا تعني بتوفيقنا يا مولاي؟»
قال: «أعني أن ننتصر على الأمين ونخلعه ونولي المأمون مكانه.»
قال: «وما نفعنا من ذلك، أليس كلاهما عباسيا عربيا، وكلاهما ابن الرشيد قاتل جعفر وحفيد المنصور قاتل أبي مسلم؟»
قال: «ولكن المأمون ابن أختنا وعلى مذهب الشيعة مثلنا، وهو صنيعتنا يعمل برأينا فيكون النفوذ لنا.»
قال: «هل تضمن بقاءه على ولائنا؟ وإذا ضمنت ذلك فهل تضمن أن يكون خليفته مثله إذا توفي، هل تأمن لبني العباس بعد ما ظهر من غدرهم بنا وبغيرنا غير مرة؟»
وكان الفضل يسمع مطرقا كأنه أفاق من رقاد، فلما بلغ إلى هنا رفع الفضل بصره إليه وقال: «صدقت يا بهزاد، وقد فهمت مرادك، إنك أصبت كبد الحقيقة، ولا بد أن نتدارك ذلك من اليوم.» وعاد إلى الإطراق وهو يحك عثنونه ثم قال: «إن الخلافة لا بد منها للسيادة، وهي لا تكون إلا في آل النبي من بني هاشم. وأقربهم مودة إلينا العلويون، وبين ظهرانينا منهم اليوم علي موسى الرضا من أعقاب الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو عاقل حكيم، والمأمون يحبه ويقدمه، فأرى أن نشترط على المأمون من الآن أن يجعله ولي عهده فتنتقل الخلافة بعد موت المأمون من العباسيين إلى العلويين.» قال ذلك وأشرق وجهه فقال بهزاد: «إنه الرأي الصواب يا سيدي، ونهض للخروج فقال له الفضل: «إذا أتتك رسالة مثل هذه من سلمان فأطلعني عليها.»
ورجع بهزاد إلى منزل أمه وما زال قلقا على ميمونة. ولبث ينتظر وصول أهل المأمون بفارغ الصبر، لاعتقاده أنها ستكون معهم. •••
صفحه نامشخص